حجم النص
بقلم عباس عبد الرزاق الصباغ
ما يجري من أحداث دراماتيكية مثيرة وخطيرة ومتسارعة في مصر طيلة الأيام السابقة تُوَّجت بسقوط حكومة "الأخوان المسلمين" وكسر شوكتهم يُنبئ عن أمرين مهمين وفي غاية الأهمية هو ان الاندحار الاخواني حصل في عقر دار "الاخوان المسلمين" وفي اكبر دولة عربية حاضنة ومؤسسة لهذا التنظيم(تأسست الحركة بمصر عام 1928 على يد حسن البنا) ما يحتم على الحركات الاسلاموية ، ومنها الاخوان، التي تتخذ من الدين جسرا للوصول الى أهدافها ومآربها ان تعيد حساباتها وتنظم حاضرها وتبرمج خارطة طريق جديدة لمستقبلها السياسي وفق التطورات الميدانية الأخيرة في مصر فيكون "الاخوان" الذين سقطوا ما بين ليلة وضحاها ليس بمنأى عن هذا الأمر.
أما الأمر الثاني فيتجسد في نمو الوعي الشعبي في الشارع العربي خاصة الشارع الذي شهد حراكا سياسيا أدى الى تغيير النظم الديكتاتورية الحاكمة بما يسمى بـ"الربيع العربي" سرعان ما استحال الى "صقيع" اسلاموي بسبب استفحال التنظيمات والحركات الاسلاموية والتكفيرية والسلفية وسط مجتمعات لم تعد تنطلي عليها الشعارات الراديكالية البراقة والرومانسية الحالمة والأهداف التي يستحيل تحقيقها على ارض الواقع ومحاولات التقهقر بالحاضر بالنكوص الى الماضي البعيد والعيش على موروث غابر، فقد اختصر الجيش المصري الطريق أمام أية مضاعفات او تداعيات قد تحدث اذا ما استمر "الاخوان" ومشروعهم النكوصي المتمثل في شخص مرسي ومحاولة العبور فوق الدولة المدنية التي جاهد الشعب المصري في إرسائها في ثورة 25 يناير 2011 ضد حكم مبارك فوضع خارطة طريق تصحيحية عاجلة وساند الأزهر (ومعه الكنيسة) مؤسسة الجيش في هذا الامر وهذه سابقة لم تسجل للجيش المصري ولا للأزهر اللذين عرف عنهما عكس ذلك إلا ما ندر وهو ما يدل على ان الوعي بضرورة مدنية الدولة قد تنامى بشكل كبير جعل من المؤسسات التي كان النظام يرتكز عليها في هكذا أمور قد أخذت تلعب دورها الوطني وتشعر بمسؤوليتها الأخلاقية انطلاقا من الشعور الصادق بالمواطنة والإحساس بالمسؤولية التاريخية في الظروف الصعبة .
ان الجيش المصري أطاح بسلسلة الأخطاء والإخفاقات التي حدثت في عهد مرسي بسيناريو سريع وخارطة طريق ناجحة ضد الديماغوجية السلفية والتحيز المذهبي والحزبي والإقصاء لأغلب الفعاليات السياسية والمجتمعية و"اخونة" مؤسسات الدولة والمجتمع والفساد وسوء التخطيط والتخبط في العلاقات الإقليمية والدولية وربط مصير دولة كبيرة ومهمة مثل مصر بمكتب المرشد الذي حاول ابتلاع مصر دولة وشعبا وفرض ديكتاتورية تحت قناع اسلاموي في بلد اعتاد الوسطية والاعتدال والتسامح والطابع العلماني للدولة، فكانت حركة الجيش "ضربة معلم" محترف لإنقاذ مصر من حرب أهلية كادت ان تقع وليس انقلابا عسكريا كما يتوهم البعض فحركته تختلف جذريا وإجرائيا عن نسق وأهداف الانقلابات العسكرية، وللتناغم مع الإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها في السخط والتذمر والهيجان الجماهيري الهادر الذي بدا جليا في الحشود المليونية الرافضة لحكم "الأخوان" وهي تمثل كافة مكونات النسيج المجتمعي المصري وألوان طيفه والتي رفعت شعار(ارحل) ليس اعتباطا او تصفية حسابات حزبوية بل بقناعة تامة بان "الاخوان" الذين جاؤوا للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع بانتخابات ديمقراطية لايمثلون "الشرعية" التي يتمنطقون بها ولا يمثلون سوى أنفسهم ومن هو على شاكلتهم .
إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً