حجم النص
بقلم :مشرق عباس
انت مخطئ على اية حال ياصديقي، لابد انك اغضبت قاتليك كثيراً لينهالوا على جسدك بكل هذه القسوة، ماذا قلت لهم؟ بماذا حدثتهم؟ اي كلمة مستفزة؟ اي نظرة متحدية؟ ماذا فعلت؟.
كنت اتخيلك في ايام الغيبوبة تفكر، ربما تصورت ان صورة جسدك المسجى قد احدثت صدمة في العراق، ربما تخيلت مسؤولين يرمون استقالاتهم، وربما اعتقدت ان الجناة يتساقطون واحداً تلو آلاخر، وان الصحف والشاشات ستنشغل بموتك.
ربما، في لحظة زهو واصرار وتحدًّ، تخيلت ان دمك لن يذهب هدراً، هل كنت تعتقد ان الرياضيين في بلدك سيعتصمون حتى يتم تقديم الجناة الى العدالة ومحاكمتهم؟ هل ظننت ان رئيس اتحاد الكرة او رئيس نادي كربلاء سيقدم استقالته مثلاً؟.
لايحدث مثل هذا في بلادنا ياصديقي! فالموت حدث عابر، والجناة في كل مكان يستمنون يومياً على جثثنا، تثيرهم وجوهنا المضمخة بالدم والموت واليأس.
هل علمت ان شباباً كانوا يرقصون على وقع فوز المنتخب الوطني حولتهم عبوة ناسفة الى اشلاء؟ هل سمعت في رحلتك الاخيرة ان ساحات كرة القدم والنوادي اصبحت بين ليلة وضحاها هدفاً حيوياً للارهابيين؟
مجرد مصادفة فقط ان تستدير بوصلة الموت خلال اسبوع فقط الى الرياضة والرياضيين كاهداف ستراتيجية!.
دعك من كل هذا واخبرني، هل تتذكر وجوه قاتليك؟ المحقق يحتاج شهادتك. الادلة ليست كافية حتى الان لادانة احد؟ يحتاج يامحمد عباس صورة مقطعية التقطها دماغك لآخر شخص هوى بالعصا الغليضة على رأسك.
هل قلت انهم اكثر من واحد؟ لا اسمعك جيداً!.. الاتصالات بين الاحياء صعبة ومع الضحايا اصعب.. هل قلت ان المذنب ليس ذلك الجندي الذي يحاول مرؤوسوه الرمي به ككبش فداء؟ لا اظنك تقصد انك تريد محاسبة المؤسسة العسكرية كلها، انت تمزح ياعباس.
نحن لانمتلك غير هذه المؤسسة لحمايتنا، وعلينا ان نتجاوز هفواتها البسيطة، ماذا يعني انها اهتمت بتدريب افرادها على رمي الرصاص ولم تأبه بتلقينهم مبادئ حقوق الانسان؟ ماذا يعني انها لم تعلمهم ان الدفاع عن الوطن ليس مشاجرة بين عشيرتين؟.
هل انت جاد، لاتسير الامور بهذه الطريقة في بلادك، اي نظام تريد محاسبته؟ هل تعتقد حقاً ان نظاماً يقف بوجه كل التحديات الداخلية والاقليمية التي تواجه الوطن والطائفة والحزب والشخص، يمكن ان تثلم صرح "انجازاته" عصاً هوت بطريق "الخطأ" او "التعسف" على رأس احدهم؟.
انت لابد غاضب جداً الان، كم سنة تحتاج ليهدأ غضبك وتسامح؟ كم قرناً؟ ماذا تقول :"روح المظلوم لاتهدأ"؟ .. لست اول ضحية مظلومة ولا آخرها.. الم تلتق بالمظلومين في مقبرة كربلاء؟ الم تسمع حكاياتهم؟ الا تبكيك مصائبهم؟ لم تعد ارواحهم غاضبة الان، فبعد ايام تطمر حفر التفجيرات، وحفرهم، وتنظف الذاكرة من عطرهم.
مصدوم كثيراً؟ حقاً!... لاداعي لذلك.. الغضب لم يقدنا الى شيء، فنحن غاضبون منذ اكثر من الف عام، وربما الف الف.
عندما حاصرك الجنود .. الم تلمح نظرة الغضب في اعينهم، هل تعتقد انهم غاضبون منك؟ لا.. انهم غاضبون منذ ان ولدوا، كنت انت مناسبة فقط لتنفيس شحنة من جبال براكين العراقية.
احياناً ياصديقي أقول لنفسي ان حاملي السلاح واصحاب السلطة والمليشيات والعشائر ورجال الدين يجدون في العراق فرصاً للتنفيس عن غضبهم ببعضهم وبنا، شعبنا فقط من لايحق له ذلك، فنحن نتعايش مع غضبنا المكبوت ونحرص ان يبقى مكبوتاً. فاتك مشهد تظاهرات مصر، فجر الشعب هناك غضبه بوجه الاسلاميين.
نحن مختلفون لأن غضبنا مختلف، ولاننا لانحرص فقط على ابقائه تحت رماد حرائقنا الكبيرة، بل لانحاول ان نستفز به احد.
أخطأت على اية حال يامحمد عباس، عندما اطلقت غضب الجنود، هل قلت لهم ان سلوكهم لايمت الى حقوق الانسان بصلة؟ هل قلت ان ليس من حقهم الاعتداء على مواطن؟ هل حدثتهم عن الدستور ولوائح الحقوق الاساسية؟ عن ماذا حدثتهم؟ اي ذنب اقترفت ليهدروا دمك؟!.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً