- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في لقاء المالكي .. ماذا رأيت وماذا سمعت..؟
حجم النص
بقلم :نبيل ياسين
التقينا المالكي. كنا وفدا من اللجنة الدولية لدعم الديمقراطية في العراق. في مثل هذه اللقاءات يكون هناك جزء يدخل عادة في باب المجالس بالأمانات ،جزء آخر يدخل في باب المجاملات. لكني سأتعامل مع اللقاء بشكل مهني. فأول انطباع تكوّن عندي ان المالكي واثق من نفسه وهذه صفة مهمة للقائد السياسي وهو يتبوأ المنصب الأول في الدولة. وحين يكون الإنسان في لقاء ما، فان جزءا من العاطفة يتسرب بين الطرفين. وكانت العاطفة ضرورية ليشرح المالكي صدره في خضم الأزمة القائمة في العراق حيث جرى اللقاء أثناء تصاعد التظاهرات في بعض محافظات العراق. لام بعض فرقائه او (خصومه) السياسيين، وهو محق بذلك طالما ان ثقافة الشراكة او التعددية السياسية او توزيع الصلاحيات والسلطات ما يزال يعد أمرا غريبا في الحياة السياسية العراقية. وفي الطرف الأخر لم تكن غائبة عنا اتهاماته للمالكي بالتفرد في السلطة.
لكن ما هي اختصاصات ووظائف رئيس الوزراء في العراق؟
ينص الدستور في الباب الثالث الخاص بالسلطات الاتحادية على ما يلي: المادة 47 تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
«هنا رودس فلتقفز هنا». كما يقول المثل الاغريقي القديم.ورودس جزيرة وهو يشبه المثل العراقي (أبو كروة يبين بالعبرة) فان مبدأ الفصل بين السلطات هو السكين التي تضرب خاصرة العراق الجديد. فقد سمعنا اعتراضات من بعض الاطراف على صلاحيات رئيس الوزراء الدستورية ومنها كونه القائد العام للقوات المسلحة. اذا كان الدستور ينص على ذلك فان مثل هذا الاعتراض معارض للدستور أصلا، هذا الدستور الذي سمعنا من كل الاطراف التي التقيناها ضرورة التأكيد على الالتزام به. قد يكون من المعقول ان يعترض احد الاطراف على عدم دستورية بعض التصرفات ولكن الاعتراض على الصلاحيات الدستورية يعني تصويب سهم في ظهر الدستور.
أولا أود ان أقول ان الفصل الأول الخاص بالسلطة التشريعية من المادة 48الى المادة 64 لا يذكر أية صلاحية لرئيس مجلس النواب. فهو لا يعدو ان يكون (مديرا) للجلسات، وهو الأمر الشائع في البرلمانات الديمقراطية وليست له أية سلطة إدارية خارج المجلس، خلاف ما يقوم به رئيس مجلس النواب العراقي الذي يتصرف وكأنه مجلس النواب كله وليس مديرا له. وأكثر من ذلك يتحول من ممثل لوحدة البرلمان الى عامل تقسيم ومن ممثل لوحدة الدولة الى داعية لتقسيمها وتجزئتها، ومن ممثل لمصالح المواطنين العراقيين الى جزء من لعبة إقليمية ليس بالضرورة ان تكون قد احترمت الشأن الداخلي العراقي او مصالح العراقيين. وأكثر من ذلك يجر وراءه عددا كبيرا من البرلمانيين الذين يهرعون الى غرفة المؤتمرات الصحفية الزجاجية ليوزعوا الشتائم والتهم والاستفزازات بشكل ينطبق عليه مفهوم السوق أكثر من ينطبق عليه مفهوم البرلمان. وحين كنت في البرلمان قبل أسبوعين مررت بهذه الغرفة ورن الموبايل فأجبت وإذا الطرف الأخر يسألني : أين؟ في السوق؟ فقلت لماذا: قال لأني اسمع صوت باعة متجولين.لا أقول ذلك فرحا او أشرا او بطرا ولكني أقوله بحزن واسى يشاركني فيه ملايين العراقيين وبضمنهم الذين انتخبوا هذه الأصوات المتجولة.
أصبح واضحا ألان ان البرلمان والحكومة غير مؤهلين حقا لقيادة البلاد. وحتى (ثالثا من المادة 49) الخاصة بشروط المرشح للبرلمان لم تؤخذ بنظر الاعتبار لأنها منوطة بتشريع قانوني مبعثر. فللمرشح البرلمان شروط ومنها شرط القسم المنصوص عليه في الدستور بان يحافظ على استقلال العراق وسيادته ويرعى مصالح شعبه ويسهر على أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.
فماذا حدث لكي نرى كثيرا ممن أدوا هذا القسم سواء الذين أدوه وبقوا نوابا او الذين أدوه وأصبحوا وزراء قد حنثوا بهذا اليمين وأصبحوا من الداعين لإسقاط نظامه الديمقراطي الاتحادي وإسقاط دستوره الذي جاد بهم الى هذه المناصب؟ وكم منهم من فرط باستقلال العراق وخرق سيادته ومكن دول جوار لتتدخل بشؤونه ويجعلها وصية على شعبه وأمنه وإنسانه وتنتهك قدسية أرضه وسمائه ومياهه وثرواته..؟
في الدول الديمقراطية لا يكفي البرلمان وحده لقيادة البلاد وكذلك لا تكفي الحكومة وحدها. يحتاج العراق اليوم الى ما عرضناه على المالكي: وجود طبقة مدنية ذات اطر وطنية تحمي النظام الديمقراطي وفترة التحول الثقافي نحو الديمقراطية ، وهذه الطبقة موجودة لكنها مقصية في خضم النزاعات الدينية والقبلية التي تعصف بالعراق. فالذين يعيبون على العمائم حكم البلاد لا يتورعون عن السير وراء عمائم الطرف الأخر رغم التحريض الطائفي والتجهيلي. والذين يعيبون على اليشاميغ والكل للمشاركة في صنع السياسة لا يتورعون عن لبس اليشماغ او الغترة والعكال ليسير الناس وراءهم، فالتجهيل موجود لدى جميع الاطراف.
وفي ظل اعتماد المالكي على الحل الأمني لمواجهة الإرهاب والتحريض، بعد ان تصاعدت التهديدات ودعوات الثأر من العراقيين بتهمة الصفوية وإيران والزحف الى بغداد، فان الفساد المستشري في جسم المؤسسات الأمنية لا يسمح بتحقيق هذا الحل. فمن ابسط الظواهر ظاهرة (الفضائيين) الذين يدفعون نصف رواتبهم لأمراء أفواجهم ليتغيبوا عن العمل لانشغالهم بأعمال حرة. فإذا كان مراء الأفواج على هذا القدر من الفساد حين يتقاضون 200 الف دينار رشوة لتكريس بطالة مقنعة وغياب عن المسؤولية الأمنية فان مليون دينار ستكون كافية لإمرار أي خرق امني.
هل الوطنية العراقية هي معاداة إيران والتحريض لشن الحرب عليها ودعوة تركيا وقطر والسعودية لتحكم العراق..؟ اذا كنا نحرص على ان لا تتدخل إيران بالشأن العراقي فان ذلك يستدعي حرصنا على ان لا تتدخل تركيا بهذا الشأن. أما ان تكون الوطنية طائفية وعنصرية فهذا آخر تعريف يعطيه البعض ممن انزلق الى مشروع تهديد وحدة العراق واستقراره للوطنية.
الديمقراطية والوطنية بحاجة الى بلد موحد، يقول غرباشوف عن بوتين انه لم يقرأ الديمقراطية لأنه كان بحاجة الى روسيا موحدة. اعتقد ان مهمة الجميع ألان هي وحدة العراق وليس مجالس المحافظات الفاشلة او البرلمان الفاشل او الحكومة التي تجتمع على طاولة واحدة ولكنها مثل لوحة مونيه الانطباعية المشهورة (غذاء على العشب) حين ينظر كل شخص باتجاه آخر لا يلتقي مع نظر الأخر.
لا اعرف معنى التهميش حين تختص وزارات الدولة من الثقافة التي تعيد طباعة وتسويق كتب أدباء صدام وعدي الى دوائر الحكومة التي تنهي معاملة تقاعد البعثي خلال أسبوع و( تغلس ) على تقاعد المنفي ضحية صدام مرورا بالبرلمان والوزارة والسفارات
السنا نحن المهمشين والمقصيين الذين ناضلنا من اجل نظام ديمقراطي فإذا بالفئران تقفز من سفينة نظام صدام الغارقة لتقفز الى سفينة النظام الجديد؟
ماذا يعني لا تهميش اذا كان (أزلام ) النظام ، وأنا لا أحب هذه المفردة، يملكون الفضائيات والصحف ودور النشر ومنابر الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وتصول وتجول وتشتم وتخون في ظل نظام تصفه بأنه لا ديمقراطي وفي ظل دستور يحميهم من كل سوء ويريدون إلغاءه.
ما الذي نفعله لكي نحافظ على الخطوط الحمراء التي يرفعها بعض المتظاهرين؟ هل الحديث عن إبادة الأكراد اخط احمر؟ هل الحديث عن المقابر الجماعية خط احمر؟ هل الإعدامات التي راح ضحيتها عشرات الآلاف خط احمر؟ هل الحديث عن كذبة نزول الملائكة لتقاتل الى جانب المتظاهرين الذين يريدون الهجوم على الجيش والشرطة خط احمر؟ هل الادعاء بان النبي محمد أمر رجال دين بالزحف الى بغداد حق احمر؟
هل الحديث عن السعي لتدمير العراق وتحطيم وحدته وهدر استقلاله خط احمر؟ إذن ما هو الخط الأخضر الذي نستطيع الحديث عنه..؟
يحزنني هذا الكم الهائل من الحقد الذي يكشف عنه عراقيون على صفحات الفيس بوك او في مقالات ليست مهنية او في تصريحات غير مسؤولة وغير وطنية. هل لدينا هذا الكم الشنيع من الحقد بعضنا للبعض الآخر؟ ومن أين تولد ؟ انه حقد سياسي ومذهبي وقومي وديني واجتماعي ولكنه أولا وأخيرا حقد ينتج عن الأمية الإنسانية التي يتحلى بها كثير من الناس.
لدينا تاريخ مشوه. اقرأ لأشخاص تعليقات وأفكارا فإذا بها بعثية العقل. إنها تنعى الحرية في النظام الجديد وتسخر من ديمقراطيته وتطالب بإسقاط هذا النظام. حسنا. هل كان نظام صدام نظاما ديمقراطيا تحققت فيه الحريات والحقوق.. ؟ هل كان نظاما وطنيا بنى العراق وجنبه ويلات الدمار الناتجة عن حروبه الشخصية وعنجهيته التي تصرف بالعراق من خلالها وزج العراق وشعبه في حرب مع أمريكا ثم فر منها تاركا جيشه وشعبه وبلاده لينجو بنفسه؟ أليس لنا عقل يفكر بذلك او منطق نحكم فيه على الأحداث؟
سؤالي الأول هو لماذا اضطر البعثيون المتضررون من صدام والبعثيون الذين كانوا جزءا من ماكنته القمعية ضد الشعب ان يلبسوا ثوب الطائفية ويصرون على أنهم مستهدفون قضائيا لأنهم سنة وليس لان نظامهم أصبح محظورا دستوريا ؟
من الواضح ان الذاكرة العراقية ضعيفة بشكل عام. وان التاريخ ينسى في اغلب الأحيان. الم تكن هناك جرائم اقترفها نظام صدام ؟ من اعدم عبد الخالق السامرائي ومحمد عايش ومحمد محجوب وغانم عبد الجليل وعدنان الحمداني؟ ومن قتل واغتال فؤاد الركابي وعبد الكريم مصطفى نصرت ورشيد مصلح التكريتي ومدحت الحاج سري وعبد الكريم الشيخلي وشاذل طاقة (خال سعد البزاز) ومرتضى الحديثي ومحمد صبري الحديثي ( شقيق ناجي الحديثي) (وهم من القيادات البعثية العليا السنية اذا شاء البعض )؟ من اغتال ناصر الحاني ( أول وزير خارجية بعد انقلاب 17 تموز) وحردان التكريتي وعبد الرزاق النايف ( من العسكريين البعثيين والقوميين ومن السنة اذا شاء البعض ) ومحمد الخضري وستار خضير ومحمود شاكر( من الشيوعيين) والشيخ عبد العزيز البدري (من علماء السنة) ومحمد باقر الصدر ومحمد تقي الخوئي ومهدي الحكيم والشيخ عارف البصري وعبد الصاحب الحكيم (من علماء الشيعة)؟
هل ملاحقة مسببي المجازر الدموية الرهيبة في الأنفال التي راح ضحيتها أكثر من 182 ألفا من السنة الأكراد، ومجزرة حلبجة التي راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف نسمة أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز وتدمير أكثر من أربعة آلاف قرية ودار طيلة حكم صدام، وإعدام مائة من أطفال مدرسة كاملة في كردستان
أمام أعين أمهاتهم وأمهاتهن كان عملا وطنيا وقوميا وإنسانيا نفتخر به حتى لا يكون العراقيون صفويين والأكراد شوفينين؟
من يريد للعراق ان يبقى بلا ذاكرة باسم الوطنية والقومية العربية؟ من يريد ان يعيده الى المجازر والإعدامات وأقبية التعذيب؟ اذا كان هناك تعذيب للمعتقلين في الوقت الحاضر فيجب ان نطالب بوقفه ومحاسبة المسؤولين عنه لا بإلغاء القوانين وقلب نظام الحكم الدستوري؟ وحين سألت السيد المالكي عن هذه الظاهرة قال ان مسؤول حمايات وزير المالية اعترف حالما صعد سيارة الاعتقال بدون ان يوجه إليه احد أية كلمة. مع هذا ليس هناك مبرر أبدا لقلب نظام الحكم وإلغاء الدستور وإنما هناك حق أكيد بشجب أي تعذيب او اعتقال تعسفي او إطالة أمد الاعتقال بدون إنهاء التحقيق
هل قراءة تقرير الدكتور صاحب الحكيم عن اغتصاب وتعذيب واعتقال وإعدام أكثر 4000 امرأة في العراق في عهد صدام والذي يقع بـ930 صفحة خط احمر؟
أين كان الذين يرفعون شواربهم ويهزونها ألان من اؤلئك (الماجدات) ؟ أم إنهن لم يكن ماجدات لأنهن لم يكن عضوات في اتحاد نساء صدام ووظائفه اللااخلاقية إبان الحرب وأبان الاحتفال بعيد ميلاد القائد؟
من المؤكد إننا يجب ان لا نعيد بأي شكل مثل هذه الاعتقالات ومثل هذا التعذيب. فالقانون هو القانون الذي نطالب به سواء في عهد صدام المنهار او في العهد الجديد. وحتى نتجنب اعتقال الناس بدون تهمة نطالب بإجراءات قانونية صحيحة ضد الإرهاب وضد القتل وضد الجريمة، سواء الجريمة السياسية او غيرها من الجرائم. لكن الأمر لا يتوقف في رأي البعض عند هذا الطلب وإنما يتعداه الى عدم اعتبار القتل السياسي جريمة وعدم اعتبار الإرهاب وتفجير الناس جريمة، وعدم اعتبار الاغتصاب جريمة، وعدم اهانة العراقيين واتهامهم بأنهم صفويون وفرس وعملاء وخنازير جريمة
استطيع ان أقول إننا كنا حياديين ونحن نتحدث مع رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وحين ذكرت ضرورة حياديتنا أكد طلبه بان نكون حياديين. وحين أعلمته بان اللجنة الدولية لدعم الديمقراطية في العراق مهمتها هي الحفاظ على الدستور وحض الاطراف جميعا على الالتزام به قال انه يؤيد هذا المسعى وأكد على ضرورة احترام الدستور. وحين قلت إننا بحاجة الى تكوين سلطة للرأي العام المدني لإلزام الاطراف بتطبيق الدستور قال انه مع هذه السلطة.
سمعنا من الكرد مثل هذه التأكيدات أيضا. ونقلنا ذلك للسيد رئيس الوزراء. لكن النوايا الحسنة ليست ممكنة التطبيق دائما. فالعراق بحاجة الى ثقة من نوع آخر. ليست الثقة بين السياسيين فمثل هذه الثقة لا توجد حتى في الدول الديمقراطية. فالذي يجبر الاطراف السياسية على الثقة هو الرأي العام، والدستور، والقانون، والطبقة السياسية التي تجد نفسها مجبرة على الثقة بالآخر لا عبر أقواله وإنما عبر التزاماته الدستورية.
ان الصراع ما يزال يجري بين البعث والديمقراطية. بين التضليل وبين الوقائع التي أصبحت ظاهرة للعيان. إليكم بعض الأمثلة دون تصرف:
هل القائد العسكري المحنك يكذب على نفسه وعلى شعبه عندما خسر معركته ضد الفرس المجوس.. ؟ حسب قوله في خرم شهر، حيث طوقت القوات الإيرانية 60 ألف جندي وضابط عراقي مع دباباتهم وعرباتهم وأسلحتهم وقتل منه أكثر من ثلاثين ألف شهيد وأسر منهم 20 ألف وغرق منهم بالآلاف وانسحبت القوات الباقية، ثم يعلن القائد العربي بأنه انتصر على الفرس المجوس وأنه انسحب من موقع القوة.
حتى أن مكفارلن الخبير في الشؤون العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط صرح في صحيفة فراكفورتر ألجماينه قائلا : « لقد أعطينا هذا الرجل كل الخرائط والمعلومات عن تحركات الجيش الإيراني التي التقطناها من طائرات الأواكس التي كانت تنطلق من السعودية، فلم يقم بالرد المناسب، فلهذا فشل وأن صداما ليس عسكريا، لأن القائد العسكري عندما يخسر في معركته بهذا الحجم فإنه ينتحر. هل يريد صدام أن نحارب عنه ؟
لقد أعطيناه كل شيء من الأسلحة والخرائط وغيرها «.
لا أحب شهادات المرتزقة لأنهم (يعترفون) ليس بسبب التعذيب ولكن بسبب الدولارات. هاهي شهادة من كتب كتبا عن (عبقرية صدام) في الثمانينات فإذا به يروي أخس الوقائع حين كف صدام عن دفع الدولار له ولأمثاله دون ان يعترض بعثي واحد على هدر مليارات الدولارات لنحت أسطورة القائد الضرورة. يقول هذا الشاهد واسمه غسان الإمام وهو صحفي سوري كان مغمورا وقبالا ليكون مرتزقا. يقول في جريدة الشرق الأوسط السعودية وهو يتحدث عن ادوار طارق عزيز (آمل أن أروي ملابسات الصفقة التي تورطت الدبلوماسية العراقية خلالها، في السعي للحصول على ضمانات من إسرائيل شيمعون بيريس وإسحاق شامير، عبر وساطة إدارة ريغان، لعدم قصف أنبوب نفط كان صدام يعتزم مده إلى ميناء العقبة. كانت الصفقة تقضي برشوة زعماء إسرائيل بعشرات ملايين الدولارات. ثم جاءت القيادة السعودية، وبحكمة العاهل الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، فأنقذت العراق من صفقة التورط المهينة. وضع الملك فهد أنبوب النفط السعودي الذي ينقل النفط من الشرق إلى الغرب (ميناء ينبع) في خدمة نقل النفط العراقي وتصديره إلى العالم
أقول إن إدارة بوش الأب تساهلت مع صدام. سكتت عن استعماله الغاز السام ضد إيران ومواطنيه الأكراد. استمرت في السخاء والإغداق على صدام، إلى احتلاله الكويت (1990) حتى بعد إخراجه بإذلال من الكويت، ترك بوش الأب منفذا للقوات العراقية المتقهقرة للعودة. لم يلاحقها إلى بغداد. ظن أن التمرد الكردي والشيعي كفيل بتقويض النظام من الداخل.
كانت التسعينات شقاء لطارق عزيز. أقصاه صدام عن الخارجية. كان صدام بحاجة إلى وجه أقل تحديا بغطرسته لعرب الجامعة. اختار سعيد الصحاف، فكان تهجمه على العرب أكثر فظاظة. الواقع أن طارق والصحاف وحمادي يمثلون طبقة تضم عشرات ألوف الانتهازيين من رجال البيروقراط والتكنوقراط المتزلفين لسلطة الأمر الواقع في العالم العربي.
عندما فشلت محاولات إسقاط صدام من الداخل، بفضل اختراقه لتنظيمات المعارضة الشيعية والكردية المتعاونة مع أميركا، كان لا بد من التدخل مباشرة بالقوة. انتخبت أميركا رئيسا لا يقل فظاظة وتهورا عن صدام. نفذ بوش الابن المهمة. لا ضرورة للاسترسال، فالتفاصيل معروفة.
ماذا بقي على طارق أن يفعل؟ ظل مواليا في السراء. وظل وفيا في الضراء. وقف منبوذا. مستسلما. متهالكا. متوكئا على عصا أطول بقليل من سيجاره الكوبي، ليشهد لصدام)
لدي بضعة أسئلة: الأول لماذا يصبح فجأة عميلا للموساد او للأمريكان كل بعثي يتفاهم مع النظام الجديد ويتسلم وظيفة فيه. فكيف كان هذا البعثي عميلا في زمن صدام ولم يكتشفه؟ او ان النظام البعثي كان يعرف ذلك ويستغله . فأي نظام وطني يتستر على عملاء الموساد فيه؟
وسؤالي الثاني: لماذا ينسى هؤلاء انه لم يكن هناك دستور متفق عليه ومستفتى عليه ديمقراطيا في ظل نظام صدام المنهار فلماذا يرفعون شعار إسقاط الدستور علما ان هذا الدستور ضمن حقوق الجميع وما علينا سوى تفعيله اذا كنا فعلا مواطنين وطنيين نطالب بحقوقنا فضلا عنه انه قابل للتعديل سواء بإلغاء بعض فقراته او بتعديلها اذا اقتضى الأمر علما ان هذا الدستور لا يشبه أبدا قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل التي لم تكن دستورية وكانت تعبيرا عن إرادة فرد وليس إرادة شعب.
سؤالي الثاني: هو لماذا يرفع العراقيون بشكل عام شعارات ولافتات مثل أبناء سومر وأكد وآشور وبابل وأحفاد علي وعمر والعرب والمسلمين اذا كان الشعب العراقي ثلاث قوميات هي العرب العثمانيين والعرب الصفويين والكرد إضافة الى التركمان والأشوريين والايزيديين وغيرهم؟
خرجنا من لقاء المالكي فإذا بأحد موظفي التشريفات يسلم أعضاء الوفد كيسا أنيقا عليه شعار الجمهورية.. لا تستعجلوا وتظنوا الظنون.. كان الكيس مليئا فعلا وثقيلا. كان يحوي مفكرة أنيقة لعام 2013 هدية من مكتب رئيس الوزراء.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً