حجم النص
خالد القشطيني
كتبت الكثير في التعبير عن عجبي في تولي أناس جهلاء لا خبرة سابقة لهم ولا معرفة بالشؤون الاقتصادية والمالية أمور بلادنا ومستقبلها الاقتصادي. ولكنني بدأت الآن أراجع موقفي هذا. ربما سنجدهم أحذق الناس في هذه الأمور. أقول ذلك في ضوء التقرير الذي نشرته صحيفة «الأوبزرفر» عن كفاءة التوقعات الاقتصادية. جاءوا بخمسة من كبار رجال الاستثمارات المالية وسادسهم القط أورلاندو. أعطوا كل واحد مبلغا اسميا وتركوه يستثمره في الأسهم حسب اجتهاده. ثم يعيد تنظيم أسهمه كل ثلاثة أشهر. أما القط أورلاندو فقد أعطوه الفأر المطاطي الذي اعتاد اللعب به. وتركوه يرمي به على اسم هذه الشركات الكبرى اعتباطا. حسبوا النتائج في نهاية عام 2012 فتبين أن البس أورلاندو كسب خلال السنة 542 باوندا مقابل 176 فقط كسبها هؤلاء العباقرة.
المعترف به أن المضاربة بالأسهم والأسعار لا تختلف عن المقامرة على الروليت. كل من يدعي أنه يعرف يتضح فيما بعد خطأ ما أبداه. تعتمد هذه الحكومات الغربية في تخطيطها الاقتصادي على أحذق جهابذة الاقتصاد والمال. ومع ذلك لا تمر بضع سنوات حتى يتضح خطأ ما توقعته. هذا هو سر الأزمة المالية التي اجتاحت الغرب خلال السنوات الماضية.
كان لي صديق استثمر قبل سنوات كل توفراته في شراء الذهب. الشائع أن الذهب خير ضمان وأسلم استثمار. اشترى الأوقية بسعر 400 دولار. ثم انهار السعر إلى نحو 300 دولار. بقي على ذلك لعدة سنوات وعض صاحبي أصابعه ندما على ما فعل. ولكن الأزمة الحالية أنقذته، فراح الناس يتكالبون على اقتناء الذهب. ارتفع سعره إلى 600 دولار. فأسرع وباع وحصد الربح، بيد أن الذهب استمر في الصعود حتى تجاوز 1500 دولار. عض على أصابعه ثانية وقال لماذا هذه العجلة الحمقاء في البيع سريعا. ولكنني طيبت من خاطره فذكرت له أن غوردن براون رئيس الحكومة البريطانية الذي يعتبر من أعلم الناس في الشؤون الاقتصادية وشغل منصب وزير المالية لعدة سنوات وقع بنفس الخطأ تماما. باع مخزون الحكومة البريطانية من الذهب بنفس السعر والوقت الذي باع فيه صاحبي.
الحكمة الحقيقية التي بينتها لنا تلك القطة هي أن الأوضاع المالية والاقتصادية في العالم وصلت إلى درجة من التعقيد والتشابك الذي يعيي الباحثين. أصبحت أقول لكل من يسعى لاستشارة أحد دلالي الأسهم والاستشاريين الماليين، أحسن شيء يمكنك النجاح فيه بكل تأكيد هو أن توفر لنفسك العمولة التي سيقتضي عليك دفعها لهم لقاء مشورتهم، وتصرف كما يوحي لك ذهنك. أحسن من كل ذلك تصدق بها على المحتاجين واجلس صافي البال واكسب الآخرة.
أسمع الكثير من تذمر العراقيين عن تولي شؤون المالية في بلدهم من قبل نفر من الجهلاء الذين لا يعرفون شيئا عن المال ولم يمتلكوا مالا في حياتهم ليعرفوا أسراره. أقول لا بأس مطلقا في ذلك. فمهما يقعوا فيه من أخطاء في تنظيم أموال العراق خير من تركها ليسرقها الحرامية. القط أورلاندو أسلم فهو يسرق اللحمة من المطبخ، وهؤلاء يسرقون عوائد النفط من الخزينة.
أقرأ ايضاً
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
- العقل.. الحكمة.. القرار
- ما الحكمة من مخالفة الحق ؟