- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية العنصر الحاسم لنزع فتيل الازمات
حجم النص
بقلم : قسم الدراسات والابحاث في مؤسسة وطنيون الاعلامية
طرحت المرجعية الدينية من خلال معتمدها خطيب جمعة مدينة كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي جملة توصيات لحل واحتواء الازمة المتفاقمة في المحافظات الغربية، وهذه التوصيات يمكن اعتبارها خارطة طريق تكفل الوصول الى نتائج عملية مرضية، وتضمن عدم اتساع نطاق الازمة وامتدادها الى مساحات وميادين اخرى.
تمثلت توصيات المرجعية الدينية بما يلي:
-جميع الكتل السياسية والسلطات التنفيذية والتشريعية تتحمل مسؤولية شرعية ووطنية للخروج من هذه الازمات التي اشتدت في الفترة الاخيرة، ولا يصح ان يرمي كل طرف كرة المسؤولية في ملعب الطرف الاخر.
2-الاستماع الى المطالب المشروعة من جميع الاطراف والمكونات ودراسة هذه المطالب وفق اسس منطقية ومبادئ الدستور والقوانين النافذة وصولا الى ارساء دعائم دولة مدنية قائمة على مؤسسات دستورية تُحتَرمُ فيها الحقوق والواجبات.
3-عدم اللجوء الى أي خطوة تؤدي الى تأزيم الشارع بل المطلوب خطوات تهدئ من الاوضاع وبالخصوص تهدئة الشارع والمواطن بصورة عامة..
4-عدم السماح بأي اصطدام بين الاجهزة الامنية والمتظاهرين وندعو هذه الاجهزة الى ضبط النفس وعدم الانفعال والتعامل بهدوء وحكمة مع المتظاهرين.
5-ان من الاسباب التي ادّت وما زالت تؤدي الى المزيد من الازمات وتأزيم الشارع العراقي هو تسييس الكتل السياسية والقادة للكثير من الامور والملفات التي يجب ان تأخذ حقها الدستوري والقانوني من الاستقلالية في اختصاصها وعدم تدخل السياسيين فيها ولذلك فالمطلوب من جميع القادة وسياسيي البلد هو الحفاظ على حيادية واختصاص هذه الملفات والقضايا وعدم استغلالها سياسياً لتحقيق مكاسب سياسية.
ومن الواضح ان دخول المرجعية الدينية على خط الازمة جاء بعد شعورها ان الاخيرة بلغت مستويات خطيرة ومقلقة للغاية، وان الهوة بين الفرقاء السياسيين باتت كبيرة جدا، فضلا عن انطلاق دعوات واصوات كثيرة من قوى وشخصيات سياسية واجتماعية وعشائرية، الى جانب فئات وشرائح اجتماعية عديدة بضرورة واهمية تدخل المرجعية الدينية حتى لاتفلت الامور وتخرج عن السيطرة.
ولعل التوصيات التي استعرضها الشيخ الكربلائي في خطبة الجمعة الاخيرة، شخصت المسارات التي ينبغي الذهاب فيها، والتي تمثلها مجموعة اطر من بينها، الالتزام بالدستور، وتحمل كل المفاصل الرسمية في الدولة-التشريعية والتنفيذية والقضائية-لمسؤولياتها، والتعاطي مع المطاليب المشروعة بأهتمام وجدية، والتباني على التهدئة، واللجوء الى الحوار كسبيل امثل وانجع للحل.
ولاشك ان مراجعة واستعراض مختلف الادوار والمواقف التأريخية للمرجعية الدينية حيال الكثير من الوقائع والاحداث التي شهدتها الساحة العراقية خلال العشرة اعوام الماضية تكشف عن منهجيات عقلائية صائبة في التعاطي مع اصعب واحلك الاوضاع والظروف، وليس اقلها تفجير مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء قبل سبعة اعوام وماتبعها من تفاعلات وارهاصات حادة خطيرة في الشارع العراقي، اذ انه لولا حكمة المرجعية في احتواء التصعيد الطائفي وافشال المخطط الذي كان يراد من ورائه اشعال نار الفتنة الطائفية في العراق، لكان الجميع قد انزلقوا الى الهاوية. وهذا مااقرت واعترفت به كل المكونات في مناسبات عديدة.
وربما يرى البعض في المرجعية الدينية انها لاتمتلك الادوات التنفيذية من اجل توجيه الامور بالاتجاه الذي تعتقد بسلامته، وهذه الرؤية صحيحة جدا، ولكن القاعدة الجماهيرية الواسعة التي تمتلكها المرجعية، ناهيك عن كونها ليست طرفا في اي صراع، وبعيدة كل البعد عن دائرة التزاحم والتنافس حول المواقع والامتيازات السياسية، وتقف على مسافة واحدة من الجميع، كل ذلك يجعلها قادرة على طرح المبادرات، وتحديد المسارات، وتشخيص السلبيات، وبالتالي صياغة حلول ومعالجات يكون لها الاثر الكبير في حال تم الاخذ بها من قبل الجهات المعنية، وهذا ما حصل في منعطفات ومحطات تأريخية حرجة وخطيرة، ربما كانت كتابة الدستور واحدة .
والى جانب توصياتها، فأنها اوضحت لمبعوثين من الحكومة ان حل البرلمان يعد خطا احمر، وانه على التحالف الوطني باعتباره الكتلة البرلمانية الاكبر تصحيح “المظلومية” التي يشعر بها المكون السني، فضلا عن دعوتها الى تعديل قوانين المساءلة والعدالة ومكافحة الارهاب بما يكفل إزالة الحيف والغبن عن بعض المعتقلين، وفي نفس الوقت لا يسمح للمجرمين بالافلات من العقاب.
اضف الى ذلك نقلت بعض المصادر ان المرجعية الدينية عبرت عن عدم رضاها عما يجري من تصعيد سياسي على اكثر من صعيد وتوتير الاجواء والاستهدافات للآخرين من خلال إثارة الأزمات وفتح الملفات خارج الأطر الدستورية مما يؤدي بالبلاد إلى منزلق لا يحمد عقباه.
وليس غريبا ازاء ذلك ان نجد مختلف القوى والشخصيات السياسية تقر بمحورية المرجعية التي توصف بأستمرار بأنها “صمام امان”.
فالائتلاف الوطني العراقي الذي يعد الطرف الاساس في التحالف الوطني مع ائتلاف دولة القانون، اعلن عن تبنيه مبادرة المرجعية لحل الازمة، وفي هذا الشأن يقول عضو الائتلاف احمد الجلبي “ان مكونات الائتلاف الاوطني أجمعت على تأييد خطوات المرجعية الدينية الأخيرة التي اسهمت في وضع الخطوط العريضة لحل الازمة والمطالب الشعبية المشروعة”.
ويشير النائب عن القائمة العراقية كامل الدليمي الى “ان الفشل الحكومي والبرلماني في تحقيق اي طلب من مطالب المتظاهرين لم يبق امام الشعب سوى المبادرات الفردية سواء من المرجعيات الدينية او من بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية”.
ويعرب الدليمي عن امله في ان تشكل المرجعيات الدينية بنفسها لجانا لنقل طلبات المتظاهرين الى الحكومة”.
من جانبها ترى النائبة عن التحالف الكردستاني آلاء الطالباني “ان تحرك المرجعية جاء بطلب من المتظاهرين الذين دعوها للتدخل في ايجاد حل لمطالبهم، بعدما شعروا بان الحكومة لا تستجيب، واننا نأمل تحقق توصيات المرجعية أثرا واضحا في حل مشكلة المتظاهرين وتحقيق مطالبهم المشروعة”.
في ذات الوقت يشير النائب من كتلة العراقية الحرة المنشقة عن القائمة العراقية زهير الاعرجي الى “ان تدخل المرجعية الدينية مهم بعد ان اغلقت ابوابها امام رجال السياسية منذ أكثر من عامين ورفضت لقاء الكثير من المسؤولين لان الحكومة لم تسمع لتوصياتها، وان رأي المرجعيات الدينية محترم ويجب ان يؤخذ بعين الاعتبار ويكون عاملا مساعدا في تحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة”.
ومن خلال ذلك يمكن القول ان التعويل اليوم على المرجعية الدينية بات كبيرا جدا، وان الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد يتطلب مبادرات عملية وجادة من طرف او اطراف بعيدة عن دائرة التنافس والصراع.
صحيح ان حلولا سحرية لايمكن لها ان تظهر على ارض الواقع مهما كانت الاحوال والظروف، وان المرجعية الدينية لاتمتلك مثل تلك الحلول السحرية، الا ان ايقاف مسيرة التداعي والتأزم والاحتقان تعد مهمة وضرورية للغاية حتى لاتفلت الامور من عقالها، وهذا ماتعمل عليه المرجعية الان، والذي اخذت تبرز بعض ملامحه ومعالمه من خلال الخطوات الايجابية للحكومة حيال مطاليب المتظاهرين.
ومن كل ماتقدم يمكننا ان نسجل نقطة ايجابية افرزها تصاعد وتيرة الاحداث السياسية في العراق ووصول الامور الى منعطف يكاد يكون خطيرا، وهي انه عند كل ازمة تعصف بالبلاد نجد ان وجود المرجعية الدينية في النجف الاشرف وثقة جميع الاطراف العراقية بها وكذلك وجود اطراف من الكتل السياسية التي تمتلك خطابا وطنياً معتدلاً يعد عاملا حاسما في الوقوف بوجه المخططات الاقليمية والدولية والتي تريد تحقيق مصالحها الخاصة الرامية الى تقسيم العراق وافشال تجربته الديمقراطية.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود