حجم النص
بقلم :حسين النعمه
يقول جوليان فروند في كتابه المعقول واللا معقول في شجون الاشقاء سوريا والعراق بان السياسة تشبه "كيس سفر يحتوي ما تنوع من الأشياء...فيه ما شئت من الصراع، والحيلة، والقوة، والتفاوض والعنف والإرهاب، والتخريب والحرب والقانون) فالعراق بلد يتميز بالتنوع في كل شيء فهو فريد في كل تفاصيله.. من مكونات شعبه ذا الاطياف والألوان المتعددة الى نوعية تربته في الشمال والوسط والجنوب الى تنوع ثرواته المعدنية ..
وإن كل عراقي يفكر في العراق كمبتعث للمحبة والتناغم والاتفاق والتآصر بنيان متعدد الاحجام يشد بعضه بعضا وما نراه اليوم من تشاحنات وتضاربات فليست من امرنا في شيء وإنما افرازات لاحتلال ولتغيير كامل في البنية النفسية العراقية.. كيف؟
فالمراقبون السياسيون يوعزون ذلك الى أن العراق نشأ من تجميع لثلاث ولايات حكمت من قبل العثمانيين لأكثر من اربعمائة عام وجاءت الحرب العالمية الاولى لتضع حدا لهذا الاستيلاء ولتقرر بريطانيا في مؤتمر القاهرة ان تصبح بلاد مابين النهرين قطعة واحدة ودولة اسمها العراق فلم تفلح كل اسافين الاستعمار ولا الاحتلال ولا الحكومات الوطنية وغير الوطنية منها في كسر لحمة دار توحدت بعد ان انفصلت عن بعضها قرون لذا كلما طفت على السطح مقولات وتكهنات ومقترحات لفصل العراق عن بعضه كدولة واحدة لم تفلح وإنشاء الله لن تفلح.
الكل يعرف النتيجة مسبقا العراق باق بجسد واحد يشمل على اعضاء متعددة مختلفة الوظائف يجمعها قلب واحد اسمه الشعب الذي لم يرتبط يوما بآصرة البترول ولا بالغنى او الفقر بل ارتبط بوحدة تاريخه وأرضه القديمة الممتدة الى اولى حضارات هذه الكرة الارضية ..
بعد اسقاط النظام الديكتاتوري الحاكم للعراق افرزت الأعوام التي تلت 2003 العديد من التشكيلات التحزبية والتيارات والتجمعات والحركات السياسية التي سعى كل منها بالشروع لخدمة العراق بحسب اهداف كل منها..
وكان ذلك التعدد نوعا ما يميل توجه العراق الى مرحلة جديدة خلقت مفاهيم متعددة ابرزها الديمقراطية التي اسهمت بزيادة تشكيل احزاب وحركات سياسية يومية وهذا ما لم يوجد في اي دولة عربية بعد أو أجنبية بعد..
ولما كانت نشأة الأحزاب كأساس لكسب القوة السياسية كان في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في أمريكا وأوروبا وفي اليابان مع أواخر القرن التاسع عشر، ما لبثت أن تحولت إلى ركن أساسي من البناء الاجتماعي والثقافي لهذه المجتمعات.
فيما كانت قصة الأحزاب العراقية من حيث النشوء والأفول متشابهة على اختلاف توجهاتها السياسية وأهدافها المعلنة ولا يوجد في العراق حزب استطاع أن يجد هوية مميزة له ويحافظ عليها مع ما أوجدته الأحداث من تغيير كامل وجذريّ في النظام والواقع السياسي المتغير إلا أن العملية الحزبية بقيت تعاني معضلاتها القديمة من حيث العجز والفشل.
ومنذ العام 2003 وحتى الان ظلّ النشاط الحزبي في العراق محكوما بالظروف القاهرة التي أوجدتها ظروف الاحتلال بحيث غابت قضية التنمية السياسية عن البرامج الحزبية واتسمت هذه المرحلة بنشوء عدد كبير من الأحزاب شارك فيها عدد من أعضاء الأحزاب " كالوزراء في الحكومات المتعاقبة".
وقد أشار الخبير القانوني طارق حرب تعقيبا على مناقشة مجلس النواب لمشروع قانون الاحزاب مؤخرا بقوله : "اذا كان عدد الاحزاب المسجلة رسميا لدى مفوضية الانتخاب حاليا اكثر من 300 حزب او كيان سياسي فإن اتجاه بعض اعضاء مجلس النواب الى الغاء بعض الشروط الخاصة بتشكيل الاحزاب يعني وصول العراق الى ارقام قياسية في عدد الاحزاب المسجلة".
وأشار حرب الى ان "بعض النواب يطالب بإلغاء مواد وردت في مشروع القانون تتضمن شروطا من حيث عدد المؤسسين او من حيث وجود الحزب في عدد من المحافظات او من حيث السجل الجنائي للمؤسسين او من حيث متابعة الأحزاب من قبل دائرة حكومية اوغير ذلك من الشروط الواردة في مشروع القانون".
وأوضح إن ذلك يعني ان "تشكيل الاحزاب مفتوحا بدون قيود او شروط مما يؤدي الى ان يستمر العراق في مؤسسة (غنيس) للأرقام القياسية باعتباره الدولة الاكثر عددا من الاحزاب في العالم لاسيما وان حرية تأسيس الاحزاب المقررة في المادة 39 من الدستور لا يعني عدم تحديد شروط قانونية لتنظيم عمل الاحزاب ويكفي للتدليل على ذلك ان دولة ديمقراطية وسكانها بمئات الملايين كأمريكا يوجد فيها حزبان فقط".
وحيّا حرب "كل من حزب الحمير في السليمانية وحزب الديك في تلعفر والاحزاب التي في طور التأسيس كحزب الجاموسة في اهوار الجنوب وحزب البعير في البادية وحزب الافعى في ناحية سيد دخيل وأحزاب الحيوانات الاخرى في بلادنا".
فكفى هذه البلاد شرور السرطان الحزبي في شخصنة الفرد العراقي لما يشاؤون وتوظيفه بناءً على البعد الثقافي الاجتماعي والنظرة السلبية المتكونة لدى كل تحزب.
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته