حجم النص
بقلم :طلال فائق الكمالي
لأول وهلة قد يستغرب القارئ للعنوان ، وما أن يشاطرني المعنى الذي ابتغيه بين هذه الأسطر حتى يجدني كيف أخلط الأوراق في سلة التحقيق بغية انتشال المفهوم الحقيقي للإيمان ، محاولا في ذلك تحديد البرزخ بين الإيمان واللاإيمان .
فحديثي عن الإيمان هنا لا اعني به معناه الاصطلاحي ، كما لا أعني به الاستسلام للاعتقاد بمبدأ معين بذاته ، بل لأطلق العنان لكل فكره يتبلور مفهومها وتتبلور اسسها ومعالمها في ذهن المعتقد بها .
فمن مسلمات تكامل الشخصية المؤمنة وسماتها أن تتأطر بما تعتقد به لتصل إلى مرحلة التصديق بعد أن تجتاز مراحل التصور ومقدمات الإدراك ، كون الاعتقاد مخاض لأفكار ونظريات تزاحمت وتصارعت على عرصات الذهن لتتبلور منها فكرة يقرها العقل ، لترتقي إلى مرتبة الاعتقاد بمقتضى رسوخها وثباتها في القلب .
ومن هنا نستدل إن الإيمان لا يتعدى ما وضحناه سلفا ، وانه لا يخرج عن إطاره النظري لا أكثر، ولكي نكون منصفين بعض الشيء فان الوصول لهذه المرحلة من المقدمات الممدوحة ، خاصة إذا سلَّم بها العقل والمنطق ، بينما نجد أن الإنسان إذا ولج في لب إيمانه وترجم ما اعتقد به إلى فيض من الأفعال السلوكية والأداء الإجرائي النابع من صميمم وجوهر ما اعتقد به فقد تسامى وتجلى ليؤل بنفسه إلى أعلى مراتب الكمال الإيماني بما اعتقد به من معارف .
فبمشاطرة القارئ بما توصلنا إليه ، يجدر بنا أن نعكس هذا المفهوم ونبحث عن مصاديقه في عموم الصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وكذا الحال لو استرسلنا في البحث عن مصاديق بعينها ووقفنا عند احدها كادعاء البعض بالوطنية مع عدم اكتراثهم بترجمة ذلك على ارض الواقع ـ مع إيمانهم بما يعتقدواـ هنا نستطيع أن ندعي أننا قد وضعنا أيدينا على مثال حي نستطيع تسليط الضوء عليه بعد طرحه على طاولة البحث ومجهره .
فإدعاء البعض بالإيمان جزافا يلزم على المتتبع ان يكون له قول فصل في تحديد ماهية الادعاء وهوية المدعي ، وعرض ذلك على الرأي العام لا بداعي التشهير وإنما بمبتغى التقويم ووضع الإنسان في مكانه المناسب لتشخيص ذلك الادعاء كحالة غير صحية بل مستقبحة بما لها من تداعيات سلبية على شارع المتلقي ، واكثر ما نخشاه هو تأثره بصدى تلك الأقوال والادعاءات مما قد يؤدي لزعزعت تلك الثقة ووضعها في غير محلها .
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نضع أيدينا على الجرح بتشخيص الحالة المرضّية والعلة التي أوجعتنا لسنين طوال والتي يكمن فيها سر تصدي البعض من الأرقام السياسية الخاوية وبقاء ديمومتها في الساحة الميدانية ، مع تشخيصنا بان مثل هكذا حالة نابعة من الانفصام في الشخصية القائمة على النفاق الفكري والعملي المنبعث بخلاف ما ادعاه من ذلك الإيمان .
لذا ستكون المحصلة النهائية ونتائجها من المسلمات التي لا جدال فيها والتي ستأخذ طابع النفاق السلوكي الميداني ، أو ما نسميه بالنفاق السياسي الذي طالما عانينا منه ومن مجهضي رمة المساعي الخيرة الذين كانوا سببا في عرقلة وتعثر دوران عجلة العربة السياسية ، وضياع متبنياتها كالحفاظ على وحدة الوطن واستحقاقات المواطن والأخذ بيده للوصول إلى أعلى مراتب الحضارة .
ولو تريثنا قليلا للوقوف عند هذا الحد واستفهمنا عن تداعيات النتائج المؤسفة التي كانت سببا لمعاناة وصراعات نفسية داخل حلبة من يدعي الوطنية أو من يؤمن بها دون أن يترجمها إلى واقع وسلوك لوجدنا النفاق بعينه الذي سيصب بحممه على عناصر الوطنية المجني عليها .
فحال المؤمنين العبيد هذا سيطوِّل وقوفهم أمام الله والتاريخ والوطن والمواطن ، وبذلك ستُفتضح هشاشة إدعاءهم الإيمان ، وسيكون اعتقادهم هذا وبالا عليهم ، كون الإيمان بلا تمثيل كالإسلام بلا تهليل .
وان علمنا وإدراكنا لهذه الحقيقة سيكون حجة على مُدعي الإيمان ودليلا على مقاضاتهم ، وانهم سيمتثلون خلف القضبان متوشحين بوشاح الخزي والعار والنفاق ، مكبلين بقيود العبودية التي ستأخذ بناصيتهم إلى الوحل بعد أن بات كل فرد منهم أسيرا لنفسه وهواه ، مخالفا لما تبناه ، مجافيا للحرية والإباء وشرف سنن السماء ، وبذلك سيكون حقا ممن يصدق عليه انه فرد من المؤمنين العبيد .
أقرأ ايضاً
- العبيد في زمن العلمانية
- ماذا لو كان "عثمان العبيدي" شيعي..؟
- الملحدون الدنماركيون والمؤمنون العراقيون وجدلية النفاق