تنشغل اروقة الامم المتحده هذه الايام بقضية الدولة الفلسطينية المزمع الاعتراف في الايام القليلة المقبلة ، حيث يشكل هذا التحرك الامل الاكبر والحلم الذي طال تحققه كل تلك العقود فهو بالنسبة للفلسطينين هو الحلم الوردي الذي لطالما حلم به السياسي الفلسطيني وللمواطن الفلسطيني على حدا سواء ، فمنذ عقود واعوام تطلع الفلسطينيون الى انشاء دولتهم العربية الحرة بشكلا رسمي وسيادي ، فنضال الفصائل الوطنية في منظمة التحرير الفلسطينية ونضال حركة فتح وحماس والعديد من الشخصيات الوطنية الحرة من مفكرين والمناضلين والموالين والمعارضين يتطلعوا لتحقيق هذا الحلم الكبير ، اذ بات هذا الامر يشغل العقول والأفئدة في ان تكون فلسطين المحتلة السليبة "دولة" دولة فلسطينية مثلها مثل اي دولة اخرى في العالم لها من الحقوق وعليها من الواجبات ، ففي هذه الايام ترتفع ايادي الفلسطينيين بالدعاء الى المولى القدير ان يمن عليها بهذه النعمة سيما أن مجلس الأمن سيبدأ في الأيام المقبلة مناقشة طلب السلطة الفلسطينية بالاعتراف بها كدولة الفلسطينية ، وتبدو ان مسألة الاعتراف هذه واضحة المعالم من الان ، حيث اعترفت الأمم المتحدة ، منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية، بـ150 دولة، ولذا من الطبيعي أن لا يكون هناك قلق من أن يؤدي المطلب الفلسطيني إلى حدوث بعض المشاكل في تلك الاروقة وخصوصا ان اسرائيل يتقد زيتها كلما سمعت بهذا الطلب الذي تقدم به الفلسطينيون ، ومن الطبيعي ان يحدث هذا الطلب جلبة كبيرة في تلك الاوساط لان أي شيء يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يكن سهلا على الإطلاق على مدار أكثر من ستة عقود. ومن المفارقات الغريبة أن الأمم المتحدة نفسها قد حاولت إقامة دولة فلسطينية في عام 1947، ولكن الفكرة قوبلت بالرفض من قبل الدول العربية الأعضاء، ثم تم إحياء الفكرة من جديد بعد مرور 20 عاما في أعقاب الهزيمة العربية من إسرائيل في عام 1967، ولكنها قوبلت بالرفض أيضا ، ربما لم تكن إسرائيل أيضا تريد قيام الدولة الفلسطينية. ومع ذلك، لم تخضع هذه الفكرة للاختبار في أي وقت من الأوقات.
بينما يقول البعض ان "محمود عباس" رئيس السلطة الفلسطينية قد قام بهذا الامر اي الطلب حتى ينعكس عليه بالمردود الشخصي اذ ان ولايته منذ عامين قد انتهت ، ولا توجد هناك آلية لاختيار خليفة له، كما ان جهوده في تشكيل حكومة ائتلافية تضم حركة حماس وصلت إلى طريق مسدود.. فمن المؤكد إن الحديث عن قيام دولة فلسطينية رسمية قد يسبب بعض المتاعب ، كما ان خطاب "محمود عباس" وخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في الأمم المتحدة بات شيئاً من الماضي لايشكل شيئا يذكر ، حيث ان هنالك شكوكا في قدرة "محمود عباس" تى على تأمين الأصوات اللازمة لدعم القرار الاممي بشأن إقامة الدولة الفلسطينية ، هذا ان نسينا "الفيتو" الأمريكي المتوقع ان يستخدم في اية لحظة .. ولابد من الالتفت الى امر هام وجدير بالاهتمام وهو ان كانت الامم المتحدة قد منحت اسرائيل رسميا دولتهم في الماضي القريب فما الجديد بالمعادلة اليوم من ان تمنح الفلسطينيين رسميا دولة؟؟ هل هذا الاعتراف بكليهما سيجنب الدولتان الصراع الدامي المأساوي المتجدد كل يوم؟
في الماضي اعترفت الامم المتحدة رسميا بدولة اسرائيل وكان ذلك في عام 1947 وكان ذلك بعد خروج بريطانيا من المنطقة وقد استُنفذت مواردها وطاقاتها بسبب الحرب العالمية الثانية، ولم يعد لدى البريطانيين اية رغبة في تحمل مسؤولياتها فيما بعد الحرب العالمية الأولى بموجب سلطة الانتداب لإدارة المنطقة. لقد ألزمت بريطانيا نفسها في عام 1917 بإنشاء "وطن قومي لليهود" فيما أصبح يُعرف بـ "وعد بلفور"، حيث استخدمت حينها حق الانتداب المدعوم دولياً لتحقيق هذه الغاية. لكن بريطانيا سرعان ما سئمت من وقوعها في منتصف الصراع بين القوميتين اليهودية والعربية لذلك انسحبت وتركت المنطقة وفي ذلك الحين لم يتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون بالقيام بأي الشيء، ففي ظل حل الدولتين، فإنهم سوف يعيشون في مساحة ضيقة جداً من الأرض إذ سيبلغ عرض الدولتين 50 ميلاً فقط من البحر الأبيض المتوسط وحتى نهر الأردن انذاك ، واليوم تشهد فلسطين بحد ذاتها بعض الارباك السياسي الذي يهدد قيام دولة فلسطين بالوقت الراهن كما يراه البعض واعلان قيام دولة فلسطين كدولة او كامبراطورية لايهم كثيرا بقد ما يهم من ان القوى المتصارعة داخل فلسطين ان تتوحد كلمتها وموقفها السياسي المتعند المتشدد ، ولو عرجنا على مقالة نشرت باللغة الانكليزية لاحد الكتاب الاسرائيليين بعنوان "مخاطر الاعتراف المبكر بدولة فلسطينية" اذ يقول فيها (حسب الاتفاقات الموجودة، فإن السلطة الفلسطينية تمارس درجات متنوعة من السيطرة على مناطق صغيرة من الضفة، كما أن اتفاقيات عام 1995، الملحقة بأوسلو، تمنع السلوك المنفرد من أي من الطرفين لتغيير وضعية الضفة وغزة) .. ومانراه اليوم من الكيان الصهيوني فانه غير مكترث البتة فهو ماضٍ في تهويد القدس ومصادرة الأراضي وبناء الجداران والمنازل كيفما يشاء … فيما السلطة ملتزمة بكل ما نصت عليه الاتفاقيات المعقودة معها من تعاون أمني، وبما أنها الطرف الأضعف، فإنها من سيحاسب على السعي لتغيير وضع الضفة من خلال “سلوك منفرد” في الأمم المتحدة.
ومن الجدير بالذكر ان اسرائيل غير معترضة على قيام دولة فلسطين فجل الساسة اليهود في اسرائيل يتفقون على تأسيس دولة فلسطينية وحتى اليمين الصهيوني تبنى فكرة تأسيس دولة فلسطينية وقد اعلن أرييل شارون عن موافقته على تأسيس دولة فلسطينية بشروط صارمة التي قبل بها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش حيث كان ذلك في المؤتمر الصحفي الذي اقيم في العقبة بحضور "محمود عباس" .. فتشكيل دولة فلسطينية يخدم التطلعات الاسرائيلية في المنطقة لان فلسطين ستعترف رسميا بدول اسرائيل وسترتبط معها بعهود ومواثيق شديدة الاحكام وبكل تأكيد سيكون بينهما تعاون امني يخدم الجانبان ، وبهذا الامر سيعطي الكيان الصهيوني مشروعية عربية ودولية ناقصة حتى الآن، كما أن وجود دولة فلسطينية قد يصبح مبرراً للمطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية، وبعيدا عن كل الشكليات يرى البعض الدولة المزمع قيامها ستكون شكلية ضمن ميزان القوى الحالي فأنها ستكون بلا سيادة او حتى صلاحيات كما انها ستكون في قبضة الكيان الصهيوني تماماً، فهو المسيطر الوحيد على الاجواء الفلسطينية والمياه الاقليمية وحتى كبار الشخصيات سوف لن يكون بمقدورها التنقل بحرية اذا لم يأخذ لها الاذن والتصاريح !
فهل سنكون امام دولة جديرة بهذه التسمية بعد ان تعترف بها الامم المتحدة ومجلس الامن؟ بالتأكيد "لا" لان المخطط الصهيوني اعمق من هذا بكثير فالاعتراف رسميا لايعني الشيء الكثير لان الصين التي تعد أكبر دولة في العالم من حيث التعداد السكاني بقيت خارج الأمم المتحدة لأكثر من عقدين من الزمن، ولا يستطيع أي فرد أن ينكر أن سويسرا دولة، على الرغم من أنها قد رفضت على مدى عقود الانضمام إلى الأمم المتحدة. وعلى نطاق أصغر، فإن كوسوفو دولة ذات سيادة على الرغم من أن الفيتو الروسي قد منعها من الانضمام إلى الأمم المتحدة ، وبين هذا وذاك تبقى المشكلة الفلسطينية في الأساسيات، حيث إن مصطلح "الدولة الحديثة" هو التعبير السياسي لوجود أمة أو وطن، ويجب أن يكون هناك وطن أولا ثم تبحث بعد ذلك عن دولة للتعبير عن وجودها.
وقبل الختام نقول ان كان يزعم بعض الساسة الفلسطينيين وغير الفلسطينيين من أن قبول السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة ولو كدولة غير عضو في الهيئة العامة سيمكنها من مقاضاة الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الاعزل نقول له ان هذا التصور هراء ما بعده هراء. فالكيان الصهيوني ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وكدولة غير عضو، لا يمكن رفع أيه قضية ضده في تلك المحكمة إلا إذا تم تحويلها إليها من مجلس الأمن الدولي الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بحق النقض ، إذن اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية ضد الكيان الصهيوني مرهون بحق النقض للدول العظمى في مجلس الأمن، والمسألة في هذا الشأن اكثر من واضحة .. ان قيام الدولة الفلسطينية فيها من الخطر والمخاطر اكثر من المردود الايجابي للاعتراف بها كدولة لأن تحقيقها يتطلب تنازلات كبيرة وباهضة وفي عدة مجالات كالقضايا التي تتعلق بالقدس واللاجئين والحدود والمستعمرات والاستيطان والسيادة والمياه وقد تصل الى التدخلات في الشأن العربي وبالتأكيد ان هذا الاعتراف سيفتت المقاومة الفلسطينية.
أقرأ ايضاً
- ماذا يجري في فلسطين ولبنان؟
- المقاومة اللبنانية والفلسطينية بخير والدليل ما نرى لا ما نسمع
- ارتفاع سعر صرف الدولار .. استمرار الغلاء الفاحش