- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إتحادات ونقابات .. وهويات بالمجان
كثيرا ما أتوق لمعرفة جديد الأخبار الثقافية والأدبية والفنية وغيرها ولكن ليس بالضرورة أن أحدد قناة أطلع من خلالها على هذه الأخبار طالما أن قنوات اكتساب المعرفة كثيرة تتوزع بين ما هو مرئي ومسموع ومقروء وغالبا ما يسهل توفر الأخيرة أي المقروءة لدي إذ إن زميلنا مقدم برنامج ( مطالعات في الصحف ) ما أن ينتهي من قراءتها حتى يَدُعّها إلينا وهو يتنفس الصعداء لنطلع على بعض الأخبار إن رغبنا في ذلك . لذا كثيرا ما يقع نظري على بعض الصفحات للصحف المرموقة الرصينة التي تحترم القارئ لا تستخف بعقله فتستحق أن تمضي بعض الوقت في قراءتها وليس تصفحها فحسب فأقرأ مقالة أو خبرا أو قصيدة أو نقدا لنتاج أدبي لكاتب مخضرم يحق لك أن تلقبه بإعلامي أو صحفي أو أديب على أقل تقدير لعلي أفلح في الإستفادة والتعلم مما أقرأ ولا أزعم إني أغدو كل صباح منهمكا بقراءتها والإطلاع على ما تضم من أخبار فإني لم أكن كذلك إلا ما ندر .
ومن بين ما ندر ما وقع نظري على أحدى المقالات في صحيفة ـ مرموقة ـ بقلم الكاتب صادق الطريحي بعنوان ( من أجل تغيير قانون إتحاد الأدباء ) يدعو فيها الكاتب إلى إعادة النظر في قوانين بعض الإتحادات وأنظمتها الداخلية وقراءة مضامين ضوابطها والتشدد بتطبيقها ليتسنى لها التخلص من التداخلات والمتطفلين والمتمشدقين بالعمل الإعلامي والأدبي ممن يعدهم الإعلام والإعلاميون والأدب والأدباء عالة ثقيلة وكابوسا أطال بجثومه على الصدور الرقيقة فأنساها ما كان يعرف بالانشراح .
خص الأستاذ كاتب المقال إتحاد الأدباء والكتاب في العراق دون غيره ولا أدري هل تعمد في أن يهمل الاتحادات الأخرى أم استشعر بأن حالها لم يكن يختلف كثيرا عن سواه فهي متشاركة في تقاسمها الخلل ولابد للحديث أن يشملها هي الأخرى . لذا دعا إلى تدوين ضوابط أكثر جدية ومصداقية يتم من خلالها قبول عضوية الأديب ويلتزم بها كل المعنيين . إذ أن التجاذبات والمحسوبيات ومحاولات الحفاظ على المناصب من خلال جذب مجموعة أشبه بحمايات المسؤولين يتم من خلالهم التسويق والترويج لمصالح المسؤول وضمان حظوته واستحواذه على كل شيء وتحقيق ذلك يتم عن طريق التساهل والتغاضي بل تجاهل كل ما وضع من ضوابط مما يسهل دخول من هب ودب المعترك الثقافي والأدبي والإعلامي والفني . ويساعد على ركن النخبة في زاوية التهميش والإقصاء دون أي ورع أو حرج
قراءتي السريعة والخاطفة لهذا المقال وكاتبه الموقر استوقفتني طويلا ولكن بعد تأمل وجدتني أوافقه في نقاط واختلف معه في أخرى فمن خلال إنتمائي إلى الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق والكتاب العرب لعلي أستطيع القول بأن هذا الإتحاد أكثر إنصافا في احترام من ينتمي إليه بتطبيق الضوابط . فلم أجد حائزا هوية انتماء وهو غير مستحقها وإن وجد فهو النزر اليسير
كنت لم أزل في ريعان شبابي حين اقترح علي يوما أحد الإخوان الانتماء إلى إتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء وترددت كثيرا ولأسباب معينة ومنها خشيتي من أن يُشترط علي الإنتماء إلى الحزب قبل الإنتماء إلى الإتحاد خصوصا وقد كان يرأس هذا الإتحاد (رفيق) بارز آنذاك ولكن بعد أن ضمن لي الملحون من المعنيين بالأدب والثقافة عدم اشتراط الانتماء إلى الحزب رغبت في الانتماء فطلب مني في حينها أن أقدم عشر مواد من نتاجاتي التي نشرت في الصحف وقدمتها بكل خجل وتواضع وكان منها مقالات وقصائد نشرت في الصحف والمجلات العراقية ابتداء من عام 1971وأولها جريدة العدل النجفية الغراء . وهكذا حصلت على هوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ثم من بعدها هوية الأدباء والكتاب العرب ومع ذلك لم أكن أتلهف ولا ارغب أصلا في مناسبة وأخرى لأجول وأقرع أبواب الصحف والمجلات لاستجدي عطف محرري الصفحات بنشر مقالة أو قصيدة كما كنت أرى الكثيرين ممن يدأب على فعل ذلك .
أود قبل الخوض في ما أريد بيانه أن أذكر أن معاصرتي لوسط فكري متبلور سواء في الوسط الأدبي أو الاجتماعي العام جعلتني أتيقن وفي أحيان كثيرة أن من يعمد على رصد وتشخيص خلل ما فما هو إلا نادم مذموم وكثيرا ما يخلق هذا التشخيص الأعداء والعداوة . ولا يكسب إلا النعوت التي تروق لمطلقيها والمثل الشعبي يقول : ( اسأل مجرب ولا تسأل حكيم ) ولكن حين يحتم الواجب الإنساني في أن يصر على أن لا يتراجع عن التشخيص وتذكير المعنيين بالإصلاح فعليه أن لا يتردد في ذلك . ولعلي أصبحت جريئا لأني لا أملك شيئا أخشى خسارته مما يستقتل على حيازته الآخرون .
أدباء مع سبق الإصرار
وقبل أن ألج إلى صلب الموضوع واعتزازا بانتمائي إلى الركب الأدبي في مدينتي المقدسة أجد من الواجب أن أقول : إن بالإمكان أن يُمنح الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق فرع كربلاء المقدسة مرتبة جيدة من النزاهة . وأرجو أن لا ألام حين أطرح رأيي الشخصي .
فأن مجموع ما يضم فرع كربلاء المقدسة ما هو إلا سبعة وستون عضوا لم يتغيروا منذ الثمانينات إلا قليلا جدا . وأذكر أن آخر عملية اقتراع لإنتخاب رئيس وهيئة إدارية للإتحاد تمت في كربلاء في قاعة دائرة النشاط المدرسي وانتخب فيها رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية بحضور معظم أدباء المدينة والذين كان عددهم مقاربا جدا للعدد التأسيسي . حتى إني ذهلت حين صعد أحد الأدباء إلى منصة القاعة ليقترع لكنه أوشك أن يحرم من الممارسة الإنتخابية لأنه لم يحمل هوية الإتحاد والطريف أن هذا الشخص قد درسني في المرحلة المتوسطة وقد استفدت منه مثل غيري الكثير الكثير خصوصا من خلال المناقشات أو طلبه لكتابة المواضيع الإنشائية كما يقال وأذكر بعض العناوين مثل: ( صديقي فلان ) أو ( بم يفكر بائع الشلغم واللبلبي ).... وأمثال ذلك مما عكس أثرا إيجابيا على مقدرة الطلاب في التعبير . وحين اعترضه المندوب بعذر عدم إبرازه هوية الإتحاد لأنه لم يحصل عليها أطرقت راسي خجلا ثم أوشكت أن أنهض واصرخ بوجه المندوب والآخرين مستنكرا اعتراضهم لكنه أسعفني بابرازه وصل دفع بدل اشتراك الانتساب إلى الإتحاد.
حين يشكك أحد في رأيي هذا ويصر على اشتراك كل الإتحادات بانعدام النزاهة لعلي أوافقه في ذلك لكني أصر على أن نسبة الخلل في هذا الإتحاد قليلة جدا .عكس وضع الإتحادات الأخرى حتى تلك التي أنتمي إليها أنا وأحمل هويتها ولا أتردد حين أقول إن البعض منها لا يبخل على أحد بمنح الهوية مقابل مبلغ الإشتراك المضاعف والدلالية لمن يساهم في منح الهوية . ونخشى أن يتم منح الهوية على إبراز بطاقة السكن أو البطاقة التموينية . والعايش سوف يرى ذلك . وقد سمعت بأذني وشاهدت بعيني أحد أصحاب القرارات والمعول عليهم في وضع الحق في مكانه حين وجه سؤالا لأحد الأخوة عن سبب عدم إقدامه على نيل هوية راح يحاول فتح شهيته بقوله : تعال وأنا أدفع لك مبلغ بدل الاشتراك .
لكي لا تزداد مساحات التهرؤ الثقافية
مثلما حرم الكثير من المختصين والمستحقين لهوية النقابة أو الإتحاد منح حشد كثير من الناس تلك الهويات التي تحدد انتماءهم إلى جهة إعلامية أو صحفية بيد أن الكثير منهم هو ابعد ما يكون عن المجال الذي تسميه به الهوية الممنوحة له وهذا ما يقر به بعض حملة الهويات أنفسهم وكان على المانح تلك الهوية أن يمنحها لمن يستحق فمع جل احترامنا وبالغ تقديرنا للعامل والسائق والخدمي من الذين منحوا مثل تلك الهويات كان ينبغي لهم مراجعة نقاباتهم ليضمنوا حقوقهم أيضا فالسائق ينبغي أن ينتمي لنقابة السواقين ويتمتع بحقوق أرباب المهنة التي تقرها له النقابة المعنية والخدمي عليه أن يطالب نقابة الخدمات الإجتماعية - إن وجدت- بمنحه هوية ليتمتع هو الآخر بكامل حقوقه ويبرزها وقت يشاء فلا هو يأخذ حق أحد ولا أحد يأخذ حقه .
أقول : إن النوايا الحسنة التي تبديها بعض الإتحادات ومنها على سبيل المثال إتحاد الإذاعيين والتلفزيونيين ـ باعتباري أحد المنتمين له ـ في قبول الإنتماء دفع البعض إلى أن يوجه له تهمة مزاحمة النقابات والمنظمات الأخرى في منح الهويات لأعضائها وما يجعل الآخرين يميلون إلى تصديق هذه الإتهامات هو هذا التناسل السريع والمفاجئ في الأعداد الهائلة ونثر الهويات الملونة البراقة كما ينثر الشوباش ويبدو أن الغرض من ذلك هو تكثير السواد واعتماد المنتمين عند الحاجة خصوصا حين يحل موعد الترشيح للإنتخابات ويحتاج المرشح إلى من يمد له رقبته جسرا للعبور على ضفة الفوز ومن ثم ركله بعد النجاح ليكون في ابعد مسافة عنه . ناهيك عن بروز الخلايا النائمة وليس النامية واستيقاظها على حين غرة وإشعال جذوة الحماس فيها وإيقاظ الحرص المفاجئ على كل المغمورين والمغدورين وإعلان الدفاع عن حقوقهم والتي سوف تظل بالحقيقة مغتصبة حتى بعد حين .
إن قراءة متأنية لما بين السطور تجعلنا ندرك إن ثمة أناسا يحلو لهم أن يستخدموا أدواة غير مستهلكة بعد في تمرير مآربهم وضمان حقوقهم والغريب أنهم ما أن ينتهوا من استهلاك هذه الأدوات سرعان ما يرمونها جانبا بعد أن تمكنهم من الصعود والعبور من كتف إلى آخر بتحقيق مؤكد لكل المآرب خصوصا حين ينصبون رؤساء أو مسؤولون ويبدأ تبادل الإتهامات فيما بينهم وبين من أوصلهم إلى أعلى المراتب . فلنا أن نكون منتبهين حذرين من أجل أن لا نكون مساهمين في إغماط الحقوق بعيدا عن التمييز بين الغث والسمين و بين ما هو صحيح وما هو خطأ .. نقول لازالت هنالك نوايا حسنة ولازال بعض الحرفيين والمهنيين يؤدون الدور الفاعل في المجالات الأدبية والثقافية في حماية النسيج الحرفي من التهرؤ ولكن هناك من يعيش على استفحال مساحات التهرؤ مع الأسف الشديد .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً