لاشك إن المرحلة المقبلة (مرحلة الحكومة الجديدة المرتقبة (2010 / 2015 ) ستمثل الانعطافة الكبرى في سلسلة الانعطافات البنيوية التي رافقت التغيير النيساني ومازالت تحدث وعلى الاصعدة كافة ويمثل الوعي بأهمية التداول السلمي للسلطة الجوهر الاساس لتلك الانعطافة والغاية المؤدية نحو بناء الدولة العراقية بناء دولتيا مستقرا وعلى اسس ديمقراطية وطيدة وقواعد ليبرالية حرة تؤسس لمشهد سياسي ومجتمعي عراقي غير مأزوم او هش او ذي مقاربات هلامية كالتي رافقت المشهد العراقي طيلة العقود الماضية وجعلته كيانا متنافرا وقلقا لا يشبه اي مشهد على الاطلاق حتى في اكثر دول العام الثالث ازمات واستعصاءات وابتلاءات .
فمن جهةٍ تنامى الوعي الجماهيري بضرورة التغيير الديمقراطي في المسار الايديولوجي نحو الخيار السلمي كخيار وحيد للتغيير بعدما شهد العراق خيارات عدة في التغيير السلطوي كان ثمنها باهظا على حساب فرص التقدم الثمينة الذي اضيعت او ضيعها من كان يقوم بالتغيير القسري رغم ارادة الشعب ورغبته ، والوعي ذاته الذي ترسخ وتنامى هو الآخر في كواليس المؤسسة العسكرية والامنية وتمظهر في اهمية التداول السلمي للسلطة والقيام بالدور الحقيقي المناط بتلك المؤسسات بعيدا عن التورط والانزلاق في أتون الشأن السياسي والمناكفات الحزبية كما حدث في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم وهذا التلاقح في ما بين الارادتين الجماهيرية والنخبوية في الوعي الديمقراطي مبادئَ وآلياتٍ يمثل صمام الأمان الذي يحفظ للعراق مكتسباته الذي دفع ثمنها غاليا من دماء شهدائه واحد مرتكزات البناء الدولتي والتاسيس الحكومي للمرحلة المقبلة ذات المهام الستراتيجية القصوى.
ولا تشمل تلك المهام ما يجب عمله او ما كان ضمن اهمية بالغة فحسب او الذي يجب ان يحظى باولوية على غيره فقط وضمن جدولة برامج الحكومة المقبلة وبحسب الستراتيجيات الموضوعة لكل ملف من ملفات حقائبها الوزارية وبما يتناسب مع اهمية الملف وخطورته واهميته وملاءمته للمرحلة الراهنة او ضمن الخطط السنوية أو الخمسية او العقدية أو حتى الآنية وحسب مستجدات الأحداث او الخطط التي تراها الحكومة مناسبة لهذا الظرف او تلك الحالة ..ومنها : الملف الامني الذي ما زال متصدرا الاهمية الفائقة للاهتمام الحكومي والشعبي سياسيا وامنيا واقتصاديا / وملف الإرهاب وتجفيف منابعه وتحجيم حواضنه سيما المحلية منها / وملف الخدمات خاصة البنى التحتية والتعليم والتعليم العالي / ملف الديون المترتبة على العراق وضرورة إطفائها وان كان العراق دولة وحكومة وشعبا غير مسؤولين عن استحقاقاتها / وملف عودة العراق الى حجمه ودوره الطبيعيين على الساحة الاقليمية والقارية والعالمية وتمتين علاقاته الخارجية وتحسينها بعد أن شهدت موجات من التردي وعدم الثقة والانقطاع والتقاطع بسبب السياسات اللامسؤولة وغير المنطقية التي تراكمت من العهود السابقة تجاه المجتمع الدولي سيما مع دول الجوار ويقابله المواظبة على كبح التدخلات الاقليمية وغيرها في الشأن العراقي / ملف الفساد بأنواعه الاداري والمالي والسياسي وضرورة حسم هذا الملف الذي يبتلع الكثير من الاموال العامة على حساب الأداء الحكومي والنزاهة والشفافية وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين/ وملف الفقر والبطالة المقنعة وغير المقنعة/ وملف التصحر ومعالجة قضية مياه دجلة والفرات مع الدول المتشاطئة مع العراق في هذين النسغين المهمين اللذين يمدان العراق بالحياة من آلاف السنين / ملف التزامات العراق تجاه الاسرة الدولية وصندوق النقد الدولي منها التزام العراق مع الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتسوية وضعه حيال البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أجحف العراقيين لاكثر من عقدين من الزمن .. فهذه وغيرها الكثير من الملفات التي يعجُّ بها المشهد العراقي واغلبها كان ضمن التركة الثقيلة والمأساوية من العهود والحكومات السابقة وهي مهام ذات طبيعة إستراتيجية ملحة أما المهام الكبرى ـ إن صح التعبير ـ فهي ليست للمعالجة فقط خاصة المستعصية منها او \"الساخنة\" او الراكدة او المؤجلة او التي تحتاج الى وقت زمني يمتد لسقف بعيد نسبيا بل في استعادة المبادرة نحو غلق او طي اكثر هذه الملفات بعد معالجتها معالجة نهائية وحاسمة باساليب مهنية مدروسة ضمن خطط مبرمجة تكنوقراطيا فضلا عن تجاوز آثار وترسبات وتكلسات مرحلة الديكتاتورية المقيتة بشكل نهائي وتأهيل المجتمع العراقي لمرحلة جديدة قادمة بعيدة عن العقد السياسية والطوائفية والشوفينية وتنقية السايكلوجية العراقية من الآثار العسكرتارية التي زرعتها التوتاليتارية لتشتيت النسيج الموازائيكي العراقي الذي ظل متماسكا ومتواشجا منذ فجر التاريخ ولهذه اللحظة . تضاف اليها مهمة ذات خاصة ستراتيجية من ضمن المهام الكبرى التي من المؤمل أن تأخذ يها الحكومة المرتقبة ألا وهي تجاوز اخطاء وسلبيات الماضي القريب وليس غريبا ان تشهد اي تجربة ديمقراطية فتية بعد عقود من التوحش الديكتاتوري بعض الاخطاء التي ترافق عملية التاسيس التي تكون عادة اشبه بالولادة القيصرية .
على الحكومة العراقية الجديدة بكل سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وبكادرها الذي نأمل ان يكون من ذوي المهنية والكفاءة والتكنوقراط ان تثبت للعالم اجمع ولكل من رأى في التجربة الديمقراطية مصدر خطر إن العراقيين جديرون بهذه التجربة وذلك من خلال نجاح الاداء الحكومي في جميع الملفات ذات السمة الستراتيجية وهذا ما ينتظره الناخبون الذين أدلوا بأصواتهم في أول ممارسة ديمقراطية حقيقية من نوعها في الشرق الأوسط إن لم تكن على مستوى العالم الثالث.
إعلامي وكاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- سيناريوهات ما بعد مرحلة دخول الخضراء
- سيناريوهات المرحلة المقبلة
- الدولة التقليدية والدولة المُوازية: ترتيبات وتنظيمات المرحلة الإنتقالية