الناس في كل الدنيا تفرح حين يضاف درهم واحد الى الثروة الوطنية، الا في العراق فإن معظمنا يشعر بالحزن او لا يبالي، حين يستمع الى هذا النوع من المعلومات.
المنجز الاول الذي يظهر لمجيء شركات النفط العملاقة، هو ما اعلنه وزير نفطنا امس بشأن ارتفاع الاحتياطي الرسمي للبترول. لقد تجاوزنا ايران وبتنا الثالث بعد السعودية وفنزويلا، تلينا ايران. اعلان الوزارة يقول ان هذه هي المفاجأة الاولى، اذ لم تقم الشركات بعد بمسح الحقول المتبقية، كما ان احتياطي كردستان لا يزال خارج الحسبة. من المعقول اذن ان يقترب مخزوننا، من المعدلات المتاحة للسعودية وفنزويلا، في اي لحظة، وهناك مفاجآت يفترض ان تكون سعيدة، تجهزها لنا الشركات الاجنبية المتعطشة لتحقيق منجز هنا.
لكن الجدلية التي تؤرقنا هي امكانية ان يحظى المال بإدارة جيدة. اتذكر اعلان موازنة العراق لعام 2004، التي كانت بحدود 22 مليار دولار. قمنا يومها بمقارنات بسيطة فاكتشفنا ان المبلغ كبير، اذ كانت موازنة ايران في العام ذاته 25 مليارا حسبما اظن، ومصر اقل من ذلك. وبحساب عدد نفوسنا الى ايران ومصر، كانت موازنتنا اكثر منهما بكثير. لكن الخبراء الذين تحدثنا لهم عن \"سعادتنا\" هذه، لم يكونوا سعداء. قالوا ان المهم في نمو البلدان ليس المال وحده، وإنما ادارة المال. وتشاءموا بشأن ادارتنا.
مرت الاعوام وطفرت الموازنة مرات ومرات من 22 مليارا الى 40 ثم الى نحو 80، وها نحن نسمع عن مخزونات النفط وطموح زيادة الانتاج الذي يجعلنا امام ارقام فلكية. لكن سؤال ادارة الثروة لم ينقطع.
الامر اشبه بالفرق بين سيدة فقيرة تمتلك نفقات مالية بسيطة، لكنها تتحلى بذوق رفيع فتؤسس منزلا انيقا ونظيفا وهادئا يشبه فردوسا صغيرة. وسيدة اخرى ثرية لا تتحلى بهذه المواصفات، فتجد منزلها عبارة عن برميل قمامة عملاق يعيش فيه الاولاد والزوج اتعس لحظاتهم فيهربون الى المطاعم والكازينوهات او اي مكان آخر خارج المنزل.
الدول الفقيرة القريبة علينا، حصلت على النظافة والاناقة والتنظيم، وهي بلا ثروة. ونحن لم نجن من الفلوس الكثيرة حتى الان، سوى الفوضى والمزيد من الاستيراد غير المدروس.
نعم فيبدو اننا لا نمتلك اي وقت لدراسة خطواتنا الخطيرة والبسيطة على حد سواء. قال لنا مسؤول في احدى البلديات قبل ايام، ان الجهاز الفني لرفع القمامة لم يكن مستعدا لانفتاح الاستيرادات التي تزيد من معدلات انتاج الفضلات، ولذلك صارت \"الزبالة\" اكثر مما كنا نتصور، فعجزنا عن تنظيف الاحياء السكنية والشوارع حتى هذه اللحظة.
الثروة اذن لا تحظى بإدارة تستغلها بشكل مناسب. هذا يعني ان الدولة التي تعرف كيف تخطط، يمكنها تحسين حالها بإنفاق 10 مليارات دولار. اما تلك التي لا تحسن التخطيط والادارة فإن امورها لن تتصلح بتريليون دولار. وحتى يثبت لنا العكس فإننا لن نتمكن من الفرح بزيادة ثروتنا، بل لعل السعادة تنقلب الى خوف.
اين تذهب الاموال اذن؟ هناك قسم يقال انه يذهب نتيجة الفساد، اما الآخر فإنه معرض للهدر نتيجة سوء الادارة. والخبر الأسوأ ان هناك قسما مجمدا، نتحفظ على انفاقه ونؤخره. وعلى سبيل المثال تشتكي البصرة وكركوك من تجميد مخصصات مالية كبيرة عائدة اليهما، ضمن مشروع البترودولار، لأن الحكومة في بغداد ترفض اطلاق تلك المبالغ منذ مطلع العام الحالي.
يقول المسؤولون في المحافظتين بأنهما بأمس الحاجة الى اطلاق الاموال، لتوفير بيئة افضل تؤهل المركزين النفطيين العملاقين، لاستقبال المستثمرين والخبراء الذين يعتزمون زيادة ثروتنا. لكن المركز يجمد الاموال ولا احد يعلم لماذا، وبانتظار ماذا، وحتى متى. للقيادة حكمتها طبعا، ولعلها تشك بجدوى ان ندفع للبصرة وكركوك المزيد من المال، لأنهما في الظروف الحالية، لن يحسنا التعامل مع الفلوس، ولن يتحقق سوى منجز ناقص وعمل يكتنفه الخلل.
ليس من اختصاصنا حل هذه الالغاز. لكن اتمنى ان تقوم الحكومة باستئجار خبراء مرموقين، كي تسألهم وحسب: كيف ندير اموالنا بطريقة مفيدة؟ لا بأس ان يسمع الشعب آراء الخبراء الذين نستأجرهم لحل ألغازنا، وهي ألغاز لا تحلها كل مليارات الدنيا كما يبدو.
لا بأس ان نأتي بربة المنزل صاحبة الذوق، كي تعلم ربة المنزل الفاشلة، كيف يمكن جعل دار تشبه برميل القمامة، منزلا دافئا ومنظما، بنفقات اقل. حينها سنسمح لأنفسنا بالفرح مع كل إعلان جديد تتحفنا به قيادتنا الحكيمة.