- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدكتور الشيخ احمد الوائلي أودع المنبر أمانة ثقيلة في الأعناق!
قال تعالى في محكم كتابه العزيز {وربك يخلق ما يشاء ويختار} ذلكم هو سر من أسرار الله سبحانه، لا يفك رموزه إلا من ارتضى له الله لباً خالصا ونفسا سامية تترفع عن الكبائر التي تحبط الأعمال وتلقي بالذات الإنسانية في واد سحيق، سر يكشف الغطاء ويطلق البصر ويمتد في رحم الأفق البعيد ليستجلب ما يضيء الدرر الكامنة في عجائب خلق الله من عباده الصالحين ..
والله سبحانه يخلق ما يشاء ومن ثم يختار ويصطفي له ما يشاء، ليدخله زمرة المفلحين وكل منهم بسبب يقترب الى الله زلفى ... وما أسعد من اختار له الحسين سببا، يدخله في عالم الملكوت ليرتشف بارد الشراب ويستظل بفيء العرش ويهنأ بموئل الناجين، فيستشعر عمله شاخصا فيه كعمود شاهق عملاق لا تقوى معاول الزلات على ثلم ذرة، منه كيف لا؟ والوائلي قد شيد صرح أعماله على أعمدة التقوى فكان منها المنبر مركزٌ تشع منه الموضوعية والتجرد والواقعية العلمية والتحقيق والتحليل والاستدلال والمنطق والحساب والعلم والمعرفة والثقافة والعادات والتقاليد والهوية الدينية والقضية الحسينية، فضلا عن أبحاثه العملية جميعها مناهل تميز بها، أبقته حيا وخالدا ولسانا للشيعة ناطقا بالحق لم يمل في ذكر مناقب آل البيت (عليهم السلام) تبيان مظلوميتهم على مر التاريخ..
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي (رضوان الله عليه) فارس النجف الاشرف في المنبر الحسيني دون منازع، وزعيم ديني شفيف الروح والوجه واللسان، يحدثك ببساطة القروي وفراسة البدوي وحذق الحضري فيتسرب الى دمك هينا لينا، لا يُكفِّر أحدا! ولا يستعدي قوما على آخرين! ولا يثقل عليك بأناة وأنانية لسبب بسيط هو إن منبر الحسين (عليه السلام) والأنانية عدوان لن يلتقيا الى قيام الساعة.
بينما تختلف الأنام في أمورٍ كثيرةٍ؛ لكن من آلاءِ الله علينا، أن جميعهم اتفقوا على ريادة الشيخ الوائلي وعمادته للمنبر ومراثي العترة الطاهرة من صفوة أهل البيت (سلام الله عليهم)، ذلك لأنه أراد أن يكون لمحرم الحرام أكاديمية حسينية تُخرج الأفذاذ والمصلحين وهم يحملون شهاداتٍ تنويرية مفعمةٍ بالعلم والقيم الإنسانية لأن عالِما بحذاقة الوائلي يدرك بوعيه الحاد إن نهضة الحسين (عليه السلام) ليست حكرا على المسلمين الشيعة ولا المسلمين السنة لأنها وببساطة دعوة للسلام بين الناس دعوة للمحبة دعوة للنقاء قبل أن تكون دعوة للبكاء..
لا أحسبني اني وضعت يدي على ما كنت أبتغيه من مقدمة تليق بمقام الشيخ الراحل العلامة الدكتور أحمد الوائلي (رحمه الله) ولكن ساقني قلمي الى هذه الواحة الرحيبة التي ينعم بها فما ظفرت إلا بما هو ظاهر للعيان من شذرات سيرته العطرة.. التي أخلفها بعد رحيله تاركا خلفه صمتا أبلغ من الرثاء وعيونا حيرى لا تدري أتبتسم للقائه بالله وما أعده له من نعيم، أم تستذكره بدموع المنبر الحسيني؛ الأمانة الثقيلة التي أودعها في أعناق خطبائنا اليوم، صوت الأمة الهادر الذي ما ربى من الأجيال وثبتَ ما ثَبتَ من الحق، وأحيى ما أحيى من الشعور بالعدل الإلهي لتحقيق مآرب وأهداف المنبر الحسيني الأمانة التي لا يقوى على حملها حقا إلا ذو حظ عظيم..
لذا كان الوائلي تركة للخطابة التي أورثت منهجاً جديداً لإغناء المنبر الحسيني، ليكون متحرّكاً بالثقافة المتنوّعة، وليجمع مختلف الطبقات من المثقّفين وغيرهم، ومن أتباع المذاهب والأديان الأخرى، ما فتح لقضيّة عاشوراء أفقاً رحباً ومجتمعاً جديداً، واستطاع الإيحاء إلى بعض الخطباء الناشئين بالاقتداء به وأسلوبه الحضاري..
فكان الفقيد المجدّد أديباً في المستوى الرفيع من الثقافة الأدبيّة، وشاعراً مبدعاً في قصائده التي تنوّعت في مختلف قضايا الأمّة المصيريّة، وفي أوضاعها الاجتماعيّة والسياسيّة، وفي مدائح أهل البيت(عليهم السلام) ومراثيهم بطريقة جديدة في مضمونها الإيماني والحركي والولائي...
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- ماهي الدلالة والرسالة في بث مقطع فيديوي للقاء المرجع الاعلى بالشيخ الكربلائي
- لطلاب الدراسات العليا.. نصائح للتميز في رحلة الدكتوراه