في ظل ظروف الركود السياسي الذي يشهده العراق حاليا ثمة مسوغ يغري الكثيرين بالحديث عن قضية ما يسمى بالخروق الدستورية . فباسم هذا العنوان الاكثر حداثة تنفتح شهية خطباء السياسة في التعبير عن مواقفهم كل باتجاه زاوية النظر التي تخدم توجهاته واغراضه وامانيه هو ومن يتبعه او يتّبعه . الطريف ان غالبية الماسكين بالملف السياسي من العراقيين يقرون بوجود هذا الخرق ويحذرون من اتساع رقعته على حاضر ومستقبل البلاد ولكن ليس من احد تقريبا يملك الجرأة الكافية ليعلن على الملأ انه وبشكل من الاشكال يمثل جزءا قليلا او كثيرا في حدوث هذا الخرق . الكل يسند مواطن الخلل في هذا الموضوع المخجل الى سواه ممن يقع خارج نطاق حدود الفلك السياسي الذي يدور فيه او حوله .
طبعا ليس المقصود من السطور المتقدمة التهوين من خطر ضرب النواميس الدستورية والتقليل من اهمية احترامها وصيانتها فوجود وثيقة رسمية داخلية تنظم احوال الناس العامة اضحت من الاولويات التي يجهد المتحضرون حول العالم في اشاعتها بين الدول والمجتمعات الانسانية ، ولكن المؤاخذة تكمن في ضعف المبادرات السياسية التي تجعل من مشكلة داخلية مجالا للسجالات الكلامية في وقت يستلزم وجود حل وطني لهذه المشكلة وبالتالي تهيأة الارضية المناسبة للبازار السياسي الاجنبي في ان يتولى مسؤولية النطق بحكم نهائي للمشكلة .
ان اعتراف مسؤولي السياسة العراقية بوجود خرق او خروقات في الدستور يقتضي وجود جهة عراقية من شانها علاج هذا الخرق باسرع وقت ممكن وبدون ذلك فان الحديث عن وجود او عدم وجود خرق دستوري يغدو حديثا مثيرا للاستفزاز والاحباط ، فمن هي ياترى هذه الجهة التي تقوى على مهمة تصحيح الخروقات الدستورية ووضع الامور في نصابها ان لم يكونوا هم هؤلاء السياسيين تحديدا ؟ ان مهمة الخروج من الواقع السياسي العراقي الراكد يقع عبئها لامحالة على كاهل المتصدرين لادارة المشهد السياسي العراقي الحالي ، عليهم ان يرشدوا الناس الى عصا حل سحرية بل عليهم ان يخلقوا هذه العصا من العدم في حال كونها غير موجودة بالفعل فهذا هو صميم اختصاصهم . انهم يستطيعون ذلك بالتاكيد اذا ركزوا على احراز هدف صيانة هيبة الدولة التي ينتمون اليها ويشكلون هم واحزابهم خطوطها العامة العريضة ، لكنهم لن يستطيعوا ان يأتوا بشيء ذي جدوى مع تركيز كل منهم على صيانة حقوقه او حقوق جماعته السياسية فحسب . ان بقاء السياسين لاسيما المسؤولين منهم في معرض الاقرار بوجود مشكلة لايقدرون على حلها نتيجته الحتمية فقدانهم الاكيد لما تبقى من نفوذهم وتأثيرهم .
الى الان لم يجتمع السياسيون العراقيون على فكرة اللجوء الى المنظمات الاجنبية لاجل ايجاد حل لمشكلة من يقود بلادهم في هذه المرحلة ولكن اذا ما بقيت الامور سائرة باتجاه اللاحل الداخلي فان الايام القليلة القادمة سوف تشهد ضغطا داخليا وخارجيا باتجاه ايجاد حل لمحنة تشكيل الحكومة العراقية التي طال انتظارها ، فالعراق الذي لايزال يعيش خرقا دستوريا مستمرا مايزال يعيش ايضا خضوعا مستمرا للوصاية الدولية .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- ظاهرة التصحّر والحل الأمثل