بين بريطانيا والعراق تشابه، هذه الأيام. ففي البلدين أزمة تشكيل حكومة.
وفي البلدين لا تستطيع اي كتلة نيابية ان تشكل حكومة بمفردها.
الكتل في بريطانيا ثلاث، وفي العراق اربعة. في الاولى يحتاج الحكم الى توافق كتلتين. وفي الثانية يحتاج الى توافق ثلاثة.
في بريطانيا إما ان يتحالف المحافظون مع الديموقراطيين الليبراليين، وإما يتحالف مع الأخيرين العماليون، ولم يطرح حتى الآن احتمال ائتلاف جامع.
وفي العراق اما ان تتفق الكتلتان الشيعيتان وتتحالفان مع الكتلة الكردية، واما ان تتوافق كتلة نوري المالكي مع كتلة اياد علاوي فيبحثان معا عن عناصر كتلة ثالثة تحكم معهما. ولم يبحث جديا حتى الآن في ائتلاف شامل.
في البلدين تتسبب الازمة الحكومية بتوتر في الاوضاع العامة. لكن التوتر البريطاني يظهر في سعر صرف الاسترليني وفي توقعات الاسواق المتفائلة او المتشائمة وما ينجم عنها من تغير في اسعار الاسهم في البورصات.
اما التوتر العراقي، فيوم دامٍ من الهجمات الانتحارية يعبّر عن حصيلة في نهاية النهار ثم يقال ما اذا \"كان الاسوأ الذي تشهده المدن العراقية هذه السنة\"، في انتظار ان يقال \"هو الاسوأ منذ انتهاء العمليات الانتخابية الاخيرة\".
ثم تتراكم الاختلافات. فالبريطانيون محكومون بموعد لنهاية ازمتهم الحكومية هو موعد خطاب الملكة اليزابيت الثانية امام مجلس العموم الجديد لاعلان برنامج الحكومة في 25 ايار الجاري.
اما العراقيون، فليسوا ملتزمين بأي موعد. لا امام ناخبيهم ولا امام دستورهم. ويستطيعون انتظار العد اليدوي لأصوات بغداد، واي عدّ آخر، قد يخطر على بال الساعين لتغيير نتائج الانتخابات.
واذا كانت اسواق المال البريطانية لا تحتمل الكثير من الخسائر، فان اسواق بغداد الشعبية مفتوحة امام الانتحاريين يحصدون منها ما شاؤوا. ولم يعد احد مهتما حتى بمعرفة من يربح ومن يخسر بعد كل موجة تفجيرات.
ثم يأتي الاختلاف الاكبر، فمفاوضو الائتلافات المحتملة في بريطانيا يسألون بعضهم عما ينوون فعله بقضايا الهجرة، واصلاح آلية الانتخابات، ومدى القرب من اوروبا، والضرائب والتربية... المحافظون متخوفون من الليبراليين، والعماليون ينتظرون ان يقتنع هؤلاء بقربهم البرنامجي معهم.
اما مفاوضو العراق فليس لديهم وقت يضيعونه في مناقشة البرامج، فالبرنامج هو الشخص، والموضوع الاساسي هو اسم رئيس الحكومة المقبل.
\"اعطونا اسم رئيس الحكومة، واتركوا علينا التشكيلة\" هذا هو لسان حال جلسات التفاوض العراقية.
المالكي مستعد لاي تحالف شرط ان يضمن عودته الى رئاسة الحكومة. وعلاوي لن يفرّط بفرصة وصوله على رأس القائمة الاولى في البرلمان، للوصول الى رئاسة الحكومة، ثم اطلبوا منا ما تشاؤون من برامج. اما الشيعة الآخرون المنافسون للمالكي، فهم على اتم الاستعداد لاحتضان المالكي عائدا الى ائتلافه الشيعي القديم. لكن لديهم تفصيل بسيط، فهم لا يريدون ان يسمعوا به رئيسا للوزراء من جديد.
وفيما دوامة معرفة اسم رئيس الحكومة العراقية الجديدة مستمرة، ولا يبدو انها مبعث ملل للعراقيين فاجأ رئيس حزب العمال البريطاني غوردون براون، اي معادل المالكي البريطاني، باعلان عزمه على ترك زعامة حزبه في ايلول المقبل \"على ابعد تقدير\".
لم يحتج براون الى الكثير من التبرير. قال شيئا غير عراقي، وغير عربي طبعا: \"كزعيم لحزبي يجب ان اقبل ان نتائج الانتخابات كانت حكما عليّ. ولذلك فإنني اعتزم ان اطلب من حزب العمال البدء بالعملية المطلوبة لانتخاب قيادة الحزب\".
فوراً وصفت محاولة براون بـ\"المستميتة\" لابقاء حزب العمال في الحكم من طريق التحالف مع الديموقراطيين الليبراليين. اما في العراق، حيث لا يُكتفى بالاستماتة، وتفضّل الحقيقة على التظاهر، فان اقرب كتلتين، برنامجيا، واقرب رئيسي كتلتين من حيث السياسات المعلنة، اي المالكي وعلاوي، فانهما يبدوان الخصمين الاساسيين. والعراقيون الذين اقترعوا لشعارات الدولة المركزية، وتجاوز الطائفية و\"دولة القانون\"، عليهم ان يؤجلوا ذلك لان رئاسة المالكي كما رئاسة علاوي مؤجلة كما تدل كل ألاعيب الجمع والطرح التي تمارس بكثرة كما يبدو في بغداد بحثا عن اسم رئيس الحكومة الذي سيكون له شرف توديع القوات الاميركية السنة المقبلة.
* نقلا عن \"النهار\" اللبنانية
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر