- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدولة العراقية وتحديات النجاح
المحللون السياسيون والمنظرون الإستراتيجيون فضلا عن المؤرخين المعاصرين شخصوا عدة معايير توصيفية وتحليلية للتجربة العراقية الحديثة على كونها تجربة ذات مقاربات بنيوية فاشلة (تجربة فاشلة بكل المقاييس) منذ التأسيس العراقي الحديث (آب 1921) وحتى الآن مرورا بالعقود الثمانية المنصرمة التي شهدت عدة تأسيسات كان آخرها ـ وربما ليس أخيرها ـ السقوط المدوي ـ والذي لم يكن مفاجئا للنظام الاستبدادي ـ الشمولي ـ التوليتاري السابق غداة التاسع من نيسان 2003 فسقطت معه \"الدولة\" العراقية بكل تراكماتها التأسيسية وانكشفت جميع عورات فشلها المزمن وبانت مساوئ هشاشة البناء الدولتي الذي لم يشبه أي بناء على مستوى الشرق الأوسط فتأسست \"دولة\" عراقية أخرى مازالت تعيش طورها الجنيني ولم تنتقل إلى مرحلة الدولة بشكلها الدستوري والقانوني وهي أيضا ذات ملامح ومواصفات هلامية لم تتوضح صورتها النهائية بعد ..
ومن أهم تلك المعايير التي وصفت بموجبها الدولة العراقية أنها دولة فاشلة كون القاعدة التأسيسية الدولتية لم تكن ذات وصفة وطنية قائمة على مرتكزات الأمة القومية المرتبطة بالسلطة السياسية ما يعني انصهار الأمة السياسية / المجتمع السياسي بالدولة / السلطة السياسية بموجب ميكانيكيات العقد الاجتماعي الذي هو الرابط الأساس بين الأمة والدولة على أسس المواطنة والتعايش الأهلي وتقبل الآخر والتداول السلمي للسلطة ديمقراطيا والاحتكام الى المعايير الليبرالية في إدارة العملية السياسية والنشاط الاقتصادي والتنموي وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني ، لكن الأمة العراقية / الدولة وجدت نفسها إبان انعتاقها من الهيمنة العثمانية أنها تدار وتحت الوصاية البريطانية (بعد احتلال العراق من قبل بريطانيا 1917) من قبل حكومة مستعارة و\"مستوردة\" من خارج جميع الانساق العراقية الدولتية والسياسية والمجتمعية ورغبتها في إعادة تأسيس تجربتها السياسية حالها حال بلدان الشرق الأوسط التي كانت تعيش بظروف متشابهة من حيث الانعتاق من الهيمنة العثمانية والدخول تحت هيمنات اخرى خصوصا بعد تقاسم التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا في اتفاقية سايكس بيكو (1916) التي قسمت مناطق النفوذ الشرق أوسطية بين القوى المتنفذة (بريطانيا ـ فرنسا ـ ايطاليا) وقد آلت \"حصة\" العراق الى بريطانيا التي كانت تخوض غمار الحرب العالمية الأولى، بعد أن \"توارثتها\" من ممتلكات \"الرجل المريض\" وقد توجت بريطانيا انتصارها في تلك الحرب باستكمال احتلالها العراق .
فقد شاءت موازين القوى والمصالح ومقادير توافقات ما بعد الحرب العالمية الاولى (1914 ـ 1918) ونتائج الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945 ) والحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي التي خمدت بتفكك الاتحاد السوفييتي وانحلال المعسكر الشرقي (1989 ) شاء كل ذلك أن يمر العراق بتأسيسين ذوي مواصفات غرائبية بل والأكثر غرائبية على صعيد الأنساق الدولتية العالمية وهما نموذجان مازالا يفرزان تداعيات ومآلات ونتائج وخيمة جعلت من العراق شاغلا ومشغولا طيلة العقود الثمانية المنصرمة ، الأول استعير له نموذج الدولة القومية حاملا معه بصمته البريطانية (العهد الملكي1921 ـ 958 ) أما الثاني فقد قدر له أن يكون \"مستوردا\" أيضا حاملا معه البصمة الانجلوـ أمريكية ولم يكن النموذج الدولتي العراقي مشابها لبقية النماذج (ثيوقراطيةـ استبداديةـ ديكتاتوريةـ توليتاريةـ وحتى الشمولية) لان الغرائبية التأسيسية المتكررة لهذا النموذج جعلته خارج أي توصيف سياسي ويصدق الحال نفسه على النموذج المجتمعي الذي خرج هو الآخر عن التوصيفات السيوسولوجية كونه مجتمعا متعايشا على تخلخل مجتمعي بنيوي واضح وهشاشة قلقة وغير منضبطة .
لكن اللافت للانتباه ان اغلب المحللين والمنظرين والمؤرخين يقفون بحدود تنظيراتهم وتحليلاتهم الإستراتيجية والتوصيفية عند تخوم التأسيس الحديث الذي كان احدى نتائج تصارع القوى العظمى آنذاك فلم يتجاوزوا الى ما قبل التأسيس الذي يسمى في الأدبيات السياسية المعاصرة بالتأسيس الحديث للدولة العراقية كحد فاصل بين مرحلتين تمثل الأولى العهد العثماني الذي دام أربعة قرون من الزمان (1532 م ـ 1918م ) والثانية دخول العراق عهد الاحتلال البريطاني (1917) ومن ثم وضع العراق تحت انتداب عصبة الأمم وتحت الإدارة البريطانية ( آب 1920م) وبعد ذلك تم تأسيس اول حكومة عراقية واعتلاء الملك فيصل الأول (الحجازي الهاشمي) عرش العراق سنة 1921م ودخول العراق عصرا جديدا يختلف كليا عن العصر العثماني والذي لم تتم الإشارة اليه في جميع التنظيرات اذ من غير الممكن تجاوز فترة القرون الأربعة التي رزح فيها العراق تحت السلطة العثمانية والقفز على جميع مقارباتها الانثروبولوجية والديمغرافية والسياسية والسيوسولوجية وحتى الثقافية والمعرفية والعبور مباشرة الى تخوم التأسيس الحديث دون الرجوع الى الحقب التي سبقته ودون الارتكاز عليها واحتساب ان الاحداث خاصة تلك المفصلية المنتجة للتاسيسات المرحلية لا تتوالد اعتباطا أو تتناسل بصورة مفاجئة دون مقدمات أو تترابط دون نتائج ذات تأثير مركب .
فإن كان ثمة \"فشل\" تأسيسي فهو فشل مركب أو مزدوج أو ناتج عن تأسيس عشوائي أو عابر فهو ليس فشلا على مستوى المعايير البنيوية فحسب وإنما على جميع الأنساق التاريخية ايضا باعتبار ان لا فواصل حقيقية بين الحقب والمراحل التاريخية كون الديالكتيك التاريخي يحتم الترابط في الأسباب والنتائج مابين فاصلة وأخرى بما يشبه الحلقات المتراكمة .
العراق لم يكن كيانا طارئا أو حالة قفزت في غفلة من الزمن على أكتاف الجيوبولوتيك الاقليمي فقد حمل العراق \ دولة \ سلطة \ امة \ بذرة التأسيس الأولى منذ فجر التاريخ الشرق أوسطي إن لم يكن العالمي حاملا معه أهميته الجيوـ إستراتيجية لكن اغلب الدراسات لم تشر الى حزمة متنوعة ومتعددة من التاسيسات التي سبقت التأسيس العراقي الحديث (1921)م أو إنها تجاهلت ذلك لأنه من الممكن جدا ان يعد الفتح الإسلامي للعراق سنة (بدأت تلك الفتوحات بغزو المسلمين للعراق عام 11هـ / 633م ) احد هم التاسيسات التي نقلت العراق من عهد الى عهد فاصل اخر كما من الممكن ان نحتسب انتقال الخلافة من المدينة المنورة الى الكوفة على يد الإمام علي بن أبي طالب (توفي سنة 40هـ) تأسيسا نوعيا آخر بل التأسيس العراقي الأقرب الى صياغة نظرية الفشل والإخفاق والانهدام التي ظلت تلاحق بقية التأسيسات ولأسباب تتعلق بالظروف السياسية التي عاصرت انتقال الخلافة الإسلامية الى الأمويين ودخول العراق عهدا مليئا بالاضطرابات والفتن والثورات وعدم الاستقرار و كان \"فاتحة\" عهد ظلت تداعياته مستمرة حتى الآن .
ومن جملة الأحداث المفصلية التي كان الدور الواضح في رسم الخارطة السياسية والمجتمعية على مدى العصور تأسيس بغداد سنة (145 هـ) وسقوط الدولة العباسية سنة ( 656 هـ) ، السقوط النوعي الداخلي للخلافة العباسية وتسلط البويهيين والسلجوقيين وغيرهم على مقاليد الامور وتطبع الدولة بالطابع القومي الخارجي (الأتراك والفرس وغيرهم) والمذهبي (نشوء المذاهب والفرق والجماعات الفلسفية والأصولية والصوفية وغيرهم وإرهاصات الجدل والتناحر الدائر بينها) لكل فئة متسلطة يضاف إلى ذلك نشوء التخندقات الطوائفية والتقوقعات المذهبية واستفحال علم الكلام والجدل واستعار التجاذبات السياـ دينية والتي اشتعل أوارها وحمى وطيسها بدخول العراق تحت السيطرة العثمانية (السنية) تلك الإمبراطورية التي اتخذت من العراق ساحة للتصارع القومي والتناحر المذهبي والتنافس السياسي مع نظيرتها الدولة الصفوية (الشيعية) فيما شهدت الساحة العراقية اصطفافات وتخندقات تمظهرت بالتعاطف المذهبي الشعبوي مع الدولة التي ترعى هذا التوجه الطائفي أو ذاك وهذا نزوع غرائبي اخر من جملة التوجهات التي عج بها الواقع السيوسو ـ سياسي العراقي منذ حقب متقادمة والكثير منها غير مألوف على مستوى المجتمعات الشرق أوسطية بان تمتد بعض الولاءات الى خارج الحدود متجاوزة المصلحة الوطنية العليا .
إن التمظهر الطائفي يشكل احد أهم الثغرات والعيوب في النسيج السيوسولوجي العراقي واحد أهم العاهات التي اكتنفت جميع الأحداث المحورية والتاسيسات المفصلية على طول التاريخ السياسي الحديث والمعاصر وما قبل الحديث يضاف الى ذلك ثغرة أخرى لا تقل خطورة عن التسرطن الطائفي والتغول المذهبي (والقومي الشوفيني) ، وعاهة أخرى أسست لشلل بنيوي ظل مرادفا لمجمل التاريخ العراقي حتى هذه اللحظة الا وهي \"التريف\" المزمن والمستمر والمتتابع لجميع الحواضر العراقية على رأسها بغداد ما شكل معول هدم لجميع المرتكزات الحضارية التي قامت على أساسها تلك الحواضر ومن عصور موغلة في القدم.
فأصبح المجتمع العراقي يعيش أزمتين متلازمتين مزدوجتين ساهمتا كلتاهما في استمرار سلسلة التاسيسات الفاشلة ايضا المؤدية الى سلسلة متتابعة ومتراكمة من الانهدامات وعلى كافة المستويات والأصعدة وهما البناء الطوائفي (والقومي والعرقي والاثني) والتريف المستمر الفاعل والمؤثر في تغيير البنية التحتية السيوسولوجية والديمغرافية للمجتمع العراقي الأمر الذي شكل نسقا مجتمعيا قائما على تعايش هش وغير منسجم أو متناسق تتفشى فيه الاصطراعات الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية والاثنية وكذلك المجتمعية والحضارية والمعرفية والثقافية عقب كل محاولة للتغيير أو عند حصول حدث مفصلي تتبدل فيه الهياكل العامة للمشهد العراقي سياسيا ومجتمعيا كما ساهمت تلكما الأزمتان في جعل المجتمع \ الامة السياسية الحاضنة للدولة \السلطة مختلفا بعض الشيء عن أقرانه من المجتمعات الشرق أوسطية التي تبدو أكثر انسجاما واقل تنافرا وتمايزا طائفيا أو عرقيا أو مذهبيا وان كانت لا تخلو من مواصفات المجتمع العراقي الطوائفية والمناطقية (لبنان) أو تخلو من التصدعات السياسية والحزبية وحتى الطائفية (مصر ، السودان ، الجزائر ،تركيا ....) إلا أنها ليست بالمستوى الذي وصل إليه المشهد العراقي الذي بدت تداعياته واضحة للعيان سيما بعد تأسيس \"الجمهورية\" سنة 1958 وصعود العسكر الى سدة الحكم وسقوط الحكم الملكي الذي كان يتمتع بقدر معين من الدستورية المقننة وبهامش مناسب من الاستقرار المجتمعي والسياسي والاقتصادي فدخل المجتمع العراقي في فوضى عكست الهشاشة المجتمعية المزمنة والمتوارثة عبر أجيال تناسلت على عدم الثقة واعتادت التهميش والتهميش المتبادل وانتهاز الفرصة التي توفرها الأحداث خاصة المفصلية منها لإثبات الذات بعدم تقبل الآخر أو السماح له بالتصدر أو التسيد على حساب الهويات الأخرى حتى الفرعية منها وتكرر الشيء نفسه بعد التغيير النيساني 2003 بوصول التداعيات الخطيرة التي نتجت عن هذا التغيير الى حافة الحرب الأهلية التي كان شبحها مستترا في المخيلة الجمعية للمجتمع العراقي قبل هذا التغيير وبعده بما يشبه \"الجين\" الذي يبقى ضامرا في جميع التلاقحات التاريخية والمجتمعية والسياسية ما يلبث ان يقفز الى الساحة المجتمعية والوسط السياسي فارضا نفسه بقوة على جميع تلك الفعاليات وأفضل مثل على ذلك استمرار العمليات الإرهابية على الساحة العراقية لأسباب يأتي في مقدمتها الترابط العقائدي والدعم اللوجستي من قبل بعض الحواضن المحلية مع التنظيمات الارهابية الخارجية (القاعدة مثلا) وهذه سابقة سياسية ـ مجتمعية قد لانجد لها نظيرا ، كما ان التجربة العراقية (التأسيس العراقي الحديث والأخير) لم تخرج بعد من طورها الجنيني وشرنقتها التوافقية والتحاصصية التي عكست حالة التشظي وعلى كافة الأنساق ولم ترتق سلم مابعد الديكتاتورية ودخول المضمار الليبرالي ونشوء المجتمع المدني وارتقاء الطبقة الوسطى التي هي عماد جميع الفعاليات السياسية والحزبية والاقتصادية والتنموية والثقافية والمعرفية ولهذا نجد ان كل مرحلة يمر بها العراق اما ان تكون قاتمة أو أكثر قتامة من سابقتها أو لاحقتها فضلا عن اللااستقرار السياسي والتدهور الاقتصادي والمعيشي والنضوب التنموي والضمور المعرفي والسقوط القيمي وانبعاث السلوكيات العشائرية والقبلية البدائية والفلتان الأمني واندثار التناسق الرابط مابين المكونات المجتمعية والسياسية المفضي إلى عدم رسوخ التواؤم الديمغرافي والتعاطف الوطني المبني على أسس المواطنة ووشائج العقد الاجتماعي الرابط مابين المجتمع والدولة \ السلطة ( العقد الاجتماعي عبارة عن اتّفاق مجموعة من الأفراد فيما بينهم لتكوين مجتمع بناءً على قاعدة الفائدة المتبادلة وتجنب الأضرار، مقابل تسليم الفرد لإرادة الجماعة، ممثّلة بالسلطة).
ناهيك عن تداخل القيم والرؤى والمبادئ والعادات مابين الوحدات الطوبوغرافية ما شكل حزمة لا متناهية من الأسباب المفضية الى التوتر الدائم والمزمن فتلاشت روح التعايش الأهلي الوطني واندثرت روح المواطنة وضمرت الحواضن المنتجة للأمة السياسية المكونة للدولة وهذا ما يفسر جزءا من الحقيقة الكامنة والمتمثلة بطلب النخب العراقية من حكومة الاحتلال البريطاني باستقدام \"حاكم\" من خارج جميع الأنساق العراقية مع علم تلك النخب بعدم خلو الساحة العراقية من كفاءات سياسية ومجتمعية مماثلة ومن كافة ألوان الطيف العراقي وهذه هي احدى مفارقات التأسيس العراقي الأول الذي يحاول بعض المنظرين والمحللين والمؤرخين ان يقطعوه عما سبقه بدون أية حلقة تأسيسية \"مفقودة \" وهذا التأسيس \"الاستعاري\" كان فاتحة عهد لتاسيات أخرى لا تقل غرابة أو خطورة أو نشازا عنه .
يضاف الى ذلك كله التدخل الخارجي والإقليمي والدولي في مجمل الشأن العراقي وإيجاد \"منافذ\" وحواضن تستتبع مرجعياتها خارج الإطار الوطني وتسهل عبور الأجندات الخارجية وتمرير السياسات التي من شانها العبث بأمن وسيادة واستقلال وتطور العراق وتحطيم مرتكزات نهوضه الحضاري كما جرى ومازال يجري في التنسيق المستمر مابين هذه الحواضن وامتداداتها الإقليمية .
من هنا تتضح أهمية جميع الدراسات الانثروبولوجية والديمغرافية والسيوسولوجية والطبوغرافية والتاريخية والسياسية وحتى الميثولوجية في تكوين تصور عام عن العراق الأمة \ الدولة \ السلطة تتناول الأسس البنيوية الفلسفية والمعرفية التحتية التي ساهمت واشتركت وتفاعلت في تشيؤ الصيرورة العراقية عبر العصور وصولا الى مرحلة الحرب العالمية الأولى ودخول العراق الى العصر الحديث عبر البوابة البريطانية بعد ان لفظ \"الرجل المريض\" آخر أنفاسه وانعتاق إمبراطورية آل عثمان من إسار أوهام دولة الخلافة ودخولها مرحلة الدولة العصرية بالعلمانية الاتاتوركية .
وبتوصيف عام انه من غير الممكن ان نتناول إستراتيجيا مواصفات ومقاربات وأسباب الفشل الدولتي العراقي ومن كافة جوانبه وذلك من زاوية واحدة وحقبة واحدة ورؤية واحدة وإنما دراسة جميع الأحداث بأسبابها ونتائجها وتداعياتها وإسقاطاتها وظروفها الذاتية والموضوعية وجميع مآلاتها التي أدت الى السلسلة اللامتناهية من الخفاقات والانهدامات والفشل الدولتي ـ المجتمعي المزدوج .
ومن غير المنطقي أيضا الحكم على أية معايير لأي فشل دون الأخذ بنظر الاعتبار مجمل الأنساق التاريخية والمجتمعية التي تفاعلت فيما بينها (بدون حلقة مفقودة أو مهملة ) ودراسة مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية ذات التأثير المباشر .إن الانعتاق من مغبة التوصيف المعياري الدال على الفشل الدولتي العراقي يتأتى من حتمية الخروج من المطب والمأزق الطائفي \ المذهبي \ القومي \ العرقي \ الاثني ومن عنق الزجاجة التحاصصية وإرساء دعائم ديمقراطية تعددية واعتماد الميكانيكية الليبرالية المتأتية من صندوق الانتخابات الشفافة والنزيهة وآليات اقتصاد السوق الحر وفصل الدين عن الدولة في علمانية جديرة بالتطبيق كالنموذج الغربي وبناء مؤسسات حكومية على أسس من التكنوقراط (حكومة المختصين) بعد فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وفسح المجال أمام السلطة الرابعة (الصحافة والإعلام) في حرية التعبير وترسيخ ثقافة النقد البناء عبر الوسائل الإعلامية المختلفة وشيوع ثقافة المواطنة والوطنية وتقبل الآخر وعدم تهميش أية هوية فرعية مهما كان حجمها وتأثيرها على الساحة العراقية وتأسيس إطار عام مقبول للهوية الوطنية العراقية بعيدا عن التخبط القومي الطاعن في الخاصرة الوطنية التي ما تزال رخوة بما يكفي لتمرير الأجندات الإقليمية بهذا الشكل السافر والتأطير الاسلاموي الأصولي المتخلف دخولا في الهوية العراقية الوطنية الحقة .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته