يستحيل القول إن ظلماً لحق بعلي حسن المجيد. علي «الكيماوي». قريب صدام حسين وذراعه الضاربة. يستحيل العثور له على أسباب تخفيفية او أعذار. إنه آلة قتل كاملة الولاء. يهوى الحسم. والحلول النهائية. اذا كلف شطب «متآمر» يشطب معه العائلة والجيران. لا يخلف وراءه ناقماً. ولا يترك شاهداً. استاذ في الظلم. صاحب مدرسة وطريقة.
تلميذ متفوق في معهد القساة. اذا كلِّف اقتلاع قرية اقتلع البشر والحجر والشجر. اينما مر خلف وراءه شعباً من المقابر وجبالا من الدموع. يقصف وينسف ويعدم ويسحل ويحرق. لا جفن يرف. ولا تردد يطرق الباب. ولا تراوده رحمة. سكب حممه على الأكراد. ونيرانه على الشيعة. ولم ينس السنة. في لائحة انجازاته حلبجة متفحمة ومختنقة . وحملة الانفال. وانتفاضة الجنوب. وتأديب حسين كامل على خيانته. اللائحة طويلة فعلا ولا تغيب عنها ممارساته في الكويت.
أُعدم «الكيماوي» أول من أمس. والحقيقة أنه كان أعدم سابقاً. يوم أعدم صدام حسين. ويوم اقتلع التمثال في ساحة الفردوس. ويوم تفككت آلة القتل. واقتلعت انيابها والأظافر. يستحق الرجل دخول كتاب الارقام القياسية. لم تتح لأشباهه الفرص التي اتيحت له. انه ينام مرتاحاً في كتاب «غينيس».
من حق اكراد العراق ان يبتهجوا لأن جلاد كردستان لم ينجح في الفرار من وجه العدالة او في الإفلات من العقاب. ومن حق عراقيين آخرين ان يرتاحوا لاعتقادهم أن عهد البطش قد ولَّى. ولكن الحديث عن قاتل كبير يجب الا يستخدم لإخفاء بصمات قتلة آخرين وان لم يسعفهم الحظ في الوصول الى السلاح الكيماوي.
راح «الكيماوي». ما يعنينا هو العراق. وهو قلب امته. شطبه من معادلتها نكبة تضاف الى نكبة. لا تستطيع الأمة ادعاء الصحة وهو مريض. ولا تستطيع الحديث عن كرامة وهو مستباح. إنه حجر أساس في بنيانها. وآمال نهضتها. بقدراته الاقتصادية والبشرية. ودوره الأساسي في حماية التوازنات على أطرافها.
ولأن العراق هو العراق يجب الا نندد بـ «كيماوي» ونترك آخر. يعتبر «كيماوياً» كل من ولغ في دم العراقيين في عهد صدام حسين وبعد انقضائه. كل من استغل سقوط النظام لتنظيم ولائم القتل. وتصفية الحسابات. وخطف الأبرياء. وتوزيع الجثث. وإثارة النعرات. وممارسة التهجير. والفرز المذهبي. وإضعاف المناعة الوطنية. والترويج للطلاق. والانزلاق الى خدمة إرادات أجنبية. وكل من سعى الى إدامة الاحتلال لتمديد فرصة الاشتباك معه. كل من حمل برنامجاً يتخطى مساحة العراق او يقلُّ عنها. كل من حاول مداواة ظلم بالتأسيس لظلم. وكل من فضل خيار شمشون على الحسابات الواقعية والمسؤولية الوطنية. وكل من استضعف عراقياً لأنه أعزل ولا يشبهه. وكل من تعامل مع البلد بأسلوب القراصنة حين يجتمعون لاقتسام الصيد او التركة. كل من نهب المؤسسات العراقية. وكل من تسلق الجثث لإلقاء خطبة حماسية وتعزيز رصيده في مصرف أجنبي. كل من حاول منع قيام الديموقراطية لأنها لا تناسب رغبته في الاستئثار. وكل من اعتبر الديموقراطية مجرد عباءة تحمي الاستئثار وسياسات الإقصاء والتهميش.
راح «الكيماوي» والسؤال عن العراق. يعتبر «كيماوياً» كل من يتسبب في إطالة موسم التفكك والاستباحة. كل من يضلع عن قصد او تعصب في تأخير استعادة العراق او عودته.
الحياة
أقرأ ايضاً
- الأولويّةُ للمواطنِ وليسَت للحاكم
- التاريخ ليس شريفاً للغاية ..
- حادثة "كروكوس سيتي" أليست رسالة دولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"