قد يستغرب القارئ للعنوان أول وهلة ولكنه اذا شاطرني في الغور بالمعنى الذي ابتغيه بين هذه الاسطر وانغمس بين فحواها لوحد أني احاول من خلال ذلك ان اخلط الاوراق في سلة التحقيق بغية انتشال المفهوم الحقيقي للايمان محاولاً ان احدد البرزخ بينه وبين اللاإيمان.
حديثي عن الايمان هنا لا أعني به الاعتقاد بمبدأ معين ، بل أطلق العنان لكل فكرة يتبلور مفهومها ومعالمها للمُعتِقد، فمن مسلمات تكامل الشخصية المؤمنة ان تتأطر بما تعتقد به لتصل الى مرحلة التصديق بعد ان تجتاز مراحل التصور ومقدمات الادراك كون الاعتقاد هو ما أستقر في القلب من أفكار ونظريات واخذت مأخذ الثبات والرسوخ فيه.
ومن هنا نستدل ان الايمان لا يتعدى ما وضحناه سلفاً وانه لا خرج عن اطاره النظري لا اكثر ولكي نكون منصفين بعض الشيء فإن الوصول لهذه المرحلة من المقدمات الممدوحة خاصة اذا سلم بها العقل والمنطق ولكننا نؤكد مرة اخرى ان ذلك لا يتعدى الجانب النظري للايمان لا اكثر بينما نجد ان الانسان اذا ولج في لب ايمانه بترجمة ما أعتقد به الى فيض من الافعال السلوكية والاداء الاجرائي النابع من صميم وجوهر ما أعتقد به فقد تسامى وتجلى حيث يصل بنفسه الى اعلى مراتب الكمال الايماني بما اعتقد به من معارف.
فإذا ما شاطرني القارئ بما توصلت اليه فالاجدر بنا ان نعكس هذا المفهوم ونبحث عن مصاديقه في عموم الصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ولو استرسلنا في البحث عن مصاديق بعينها ووفقنا عن احدها كإدعاء البعض بالوطنية مع عدم اكتراثهم بترجمتها على ارض الواقع مع ايمانهم بما يعتقدوا فهنا نستطيع ان ندعي بأننا قد وضعنا ايدينا على مثال حي كي نُسلط الضوء عليه بعد طرحه على طاولة البحث ومجهره فمثل هكذا حالة يقتضي على كل مُتابع ان يكون قوله الفصل في تحديد ماهية الادعاء وهوية المُدعي وعرض ذلك على الرأي العام وتشخيص ذلك كحالة غير صحية بل مُستقبحة بما لها من التداعيات السلبية على الشارع المتلقي الي اكثر ما نخشى عليه التأثر بصدى الاقوال والادعاءات مما قد يؤدي الى وضع ثقته في غير محلها كل ذلك لا بداعي التشهير وإنما بمبتغى التقويم ووضع الانسان في مكانه المناسب.
ومن هذا المنطلق نستطيع ان نضع ايدينا على الجرح بتشخيص الحالة المرضية والعِلة التي اوجعتنا لسنين طوال والتي يكمن فيها سر تصدي البعض من الارقام السياسية الخاوية وبقاء ديمومتها في الساحة الميدانية مع تشخيصنا بأن مثل هكذا حالة نابعة من الإنفصام في الشخصية القائمة على النفاق الفكري والعمل على خلاف ما يُعتقد به.
لذا ستكون المُحصلة النهائية والنتائج المُنبثقة منها من المسلمات التي لا ريب فيها والتي ستأخذ طابع النفاق السلوكي والميداني والذي يصح إن نسميه بالنفاق السياسي الذي طالما عانينا منه ومن رواده الذين أجهضوا رُمة المساعي الخيرة وكانوا سبباً في عرقلة أو تعثر دوران عجلة العربة السياسية والتي من متبنياتها صيانة الوطن والمواطن والأخذ بيده للوصول إلى أعلى مراتب الحضارة.
هنا لو تريثنا قليلاً عند هذا الحد واستفهمنا عن تداعيات النتائج المؤسفة والتي كانت في الواقع سبباً لمعاناة وصراعات نفسية داخل حلبة من يدعي الوطنية أو من يؤمن بها دون انتزاعها إلى وقاع وترجمتها إلى سلوك ليكون النفاق بعينه الذي سيصب بحممه على عناصر الوطنية المجني عليها.
فإن عَلِم هذا السياسي أو لم يَعلم بما جناه فهو مسائل بلا شك وانه سيطول وقوفه أمام الله والوطن وان إيمانه واعتقاده بكل القيم سوف تكون عليه وبالاً كون الإيمان بلا تمثيل كالإسلام بلا تهليل وان العلم والإدراك هنا سيكون حُجة على المعتقد في المقاضاة وانه سيمتثل خلف القضبان بوشاح الخزي والعار والنفاق ويُكبل بالعبودية التي أخذت بناصيته إلى الوحل بعد ان كان أسيرا لنفسه وهواه خلافاً لما تبناه خلافاً للحرية والإباء ولشرف سنن السماء ومن هنا سيكون حقاً ممن يصدق عليه انه فردا من المؤمنين العبيد.
أقرأ ايضاً
- العبيد في زمن العلمانية
- ماذا لو كان "عثمان العبيدي" شيعي..؟
- الملحدون الدنماركيون والمؤمنون العراقيون وجدلية النفاق