- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
النواب يشرع نظام القائمة نصف المفتوحة
اثر واحدة من ادق واخطر العمليات القيصرية، شرع مجلس النواب العراقي اليوم قانون تعديل قانون الانتخابات رقم (16) لعام 2005، وبذلك يكون المجلس قد وضع حدا لكل التكهنات السلبية التي كانت ترى في تأخير اقرار القانون، محاولات مشبوهة يقودها البعض لتقويض العملية السياسية برمتها.
وان مما لا شك فيه، هو ان القانون الجديد لبى الكثير من طموحات الشارع العراقي، وليس كلها، الامر الذي يحسب لصالح النواب في آخر عمرهم البرلماني.
في هذا المقال، اريد ان اسلط الضوء على مواد القانون التي ظلت مثار جدل بين الكتل النيابية، طبعا باستثناء قضية كركوك التي لها وضعها الخاص، والتي جرى معالجتها بالقانون بطريقة من الطرق التوفيقية، والحمد لله تعالى على نعمائه.
وقبل ذلك، اود هنا ان اتقدم بشكري الجزيل وامتناني الوفير للنواب الذين اخذوا بنظر الاعتبار (4) مقترحات من اصل (6) كنت قد تقدمت بها في مقالات سابقة، والتي كنت قد ادرجتها كالتالي:
اولا: اعتماد القائمة المفتوحة.
ثانيا: اعتماد العراق عدة دوائر انتخابية، لا يقل عددها عن عدد المحافظات (18).
ثالثا: ان يمنح القانون الناخب العراقي الحق في التاشير على العدد المطلوب من المرشحين في دائرته الانتخابية، من دون تحديد هذا الحق بواحد او ثلاثة او خمسة، كما يسعى بعض اعضاء مجلس النواب الى ذلك.
رابعا: ان لا تزيد نسبة المقاعد التعويضية على (5%).
خامسا: لا يحق نقل وانتقال اصوات الناخبين من والى اي من المرشحين، اذ يجب ان يجري احتساب عدد الاصوات لكل مرشح كما هو في صندوق الاقتراع حصريا.
سادسا: ان ينص القانون على حق العراقيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات.
فالمادة اولا من التعديل الجديد، نصت على المقترح الرابع، والمادة ثانيا، نصت على المقترح الثاني، فيما نصت المادة ثالثا، اولا، على المقترح الاول، اما المادة رابعا، خامسا، فقد نصت على المقترح سادسا.
ولم ياخذ التعديل، المقترحين الثالث والخامس بنظر الاعتبار.
فماهو الجديد في التعديل؟ وما هو الاثر الذي سيترتب عليه في الانتخابات القادمة؟.
اعتقد ان اهم نقطة اثارت الجدل الكثير هو موضوعة نوع النظام المطلوب العمل به في الانتخابات القادمة، أهو نظام القائمة المفتوحة، ام نظام القائمة المغلقة؟.
لقد نص التعديل في المادة ثالثا، اولا، على نظام القائمة المفتوحة، وبذلك يكون مجلس النواب قد حسم الجدل لصالح طموح العراقيين الذين عبروا، وبمختلف الوسائل، عن رغبتهم في ان يتبنى البرلمان نظام القائمة المفتوحة، ولكن:
هل صحيح ان التعديل الجديد تبنى نظام القائمة المفتوحة، ام ماذا؟.
لو دققنا النظر في المادة ثالثا، ثانيا، لاستنتجنا ان التعديل لم يتبن نظام القائمة المفتوحة، بالمعنى الحقيقي والحقوقي للمصطلح، وانما تبنى ما اطلق عليه شخصيا، نظام القائمة نصف المفتوحة، كيف؟.
للاجابة على هذا السؤال دعونا نضرب مثلا بالارقام لتتضح لنا حقيقة الامر بشكل جلي:
فلو كان القاسم الانتخابي في دائرة انتخابية ما (100) وان قائمة ما حصلت على (99) صوتا، واخرى على (110) اصوات، فبحسب نص التعديل الجديد، فان الاولى سوف لن تحصل على مقعد واحد، بالرغم من حصولها على القاسم الانتخابي ناقص صوت واحد فقط، فيما ستحصل الثانية على مقعدين بعد ان تسطو على اصوات القائمة الاولى، ما يعني ان المرشح الفائز الثاني من القائمة الثانية، والذي يكون قد حصل على (10) اصوات فقط، بعد احتساب الاصوات الـ (100) الاولى لفوز زميله في القائمة المرشح الاول، يكون قد فاز بمقعده في البرلمان باصوات القائمة الاولى التي لم تحصل على اي مقعد بالرغم من انها حصلت على اصوات اكثر بكثير مما حصل عليه الفائز الثاني من القائمة الثانية، وان السبب في ذلك هو انها لم تحصل على القاسم الانتخابي وان كان ينقصها صوت واحد فقط، فيما فاز المرشح الثاني من القائمة الثانية بمقعده بالرغم من انه لم يحصل على القاسم الانتخابي وبفارق كبير، الا انه يسطو على اصوات القائمة الثانية، فقط لان قائمته فازت على القائمة الاولى.
اما لو كان القانون قد اخذ بالمقترحات الباقية، لكان كل مرشح يفوز بمقعده بالاصوات الحقيقية، الفعلية، التي يحصل عليها في صندوق الاقتراع، وليس باصوات غيره من المرشحين او من القوائم الاخرى، ومن هنا يبدا الظلم والاجحاف الذي سيلحق بالمرشحين.
هذا يعني ان المشاكل التي شهدناها في انتخابات مجالس المحافظات، ستعود وتتكرر في الانتخابات القادمة.
كان يجب ان ينص القانون على طريقة لاحتساب الاصوات تنصف كل المرشحين فلا يتجاوز احد على اصوات آخر، وهي الطريقة التي وردت بالاقتراح (ثالثا) فلو كان نص المادة ثالثا، ثالثا، من التعديل قد اعتمد كطريقة لاحتساب الفائزين من مجموع المرشحين في كل دائرة انتخابية وليس في اطار القائمة الواحدة، لكنا قد تجاوزنا هذا الاجحاف المحتمل، ولحصلنا على المعنى الحقيقي والحقوقي الكامل لمفهوم (نظام القائمة المفتوحة)، وهو النظام الانتخابي المعمول به في جل دول العالم (الديمقراطية) وبحسب المعايير الدولية، اما بالنص الحالي، فاننا، في حقيقة الامر، بازاء (نظام القائمة نصف المفتوحة).
صحيح ان القانون الجديد تجاوز نواقص قانون عام 2005، الا انه ابقى على نواقص قانون 2008، ما يعني اننا امام تكرار تجربة انتخابات مجالس المحافظات التي:
اولا: ضيعت حق الكثير من القوائم والمرشحين، لانهم لم يحصلوا على القاسم الانتخابي ولو باعداد صغيرة جدا، الواحد مثلا.
ثانيا: ستسطو القوائم والاحزاب الكبيرة على حق القوائم الصغيرة، حتى اذا منحها الناخب ثقته بنسبة كبيرة جدا، الا انها دون القاسم الانتخابي بواحد مثلا، فيما سيحصل مرشحو القوائم الكبيرة على مقاعد على حساب مثل هذه القوائم، وان كانوا لم يحصلوا حتى على نسبة عشر ما حصلت عليه القوائم الصغيرة او مرشحيهم.
ثالثا: وبذلك سنشهد عملية نقل وانتقال الاصوات بين القوائم، ما يعني انه ليس بالضرورة ان يصل صوت الناخب الى مرشحه الحقيقي الذي اختاره في صندوق الاقتراع، بل ان نسبة كبيرة من الاصوات ستذهب الى غير اصحابها من المرشحين، وهذا ظلم كبير سيقع على القوائم الصغيرة، او حتى على المرشحين بشكل منفرد.
كنت اتمنى ان ياخذ مجلس النواب بالمقترح (ثالثا) الذي كنت قد تقدمت به اليه، ليتجاوز حصول مثل هذا الغبن والظلم غير المبرر، لانه بهذا المقترح كان يمكنه ان يحقق المقترح (خامسا) بشكل اوتوماتيكي، وبذلك كان يمكنه ان يتجنب او يتجاوز نواقص قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي عانى منه الكثير من المرشحين واشتكى منه الناخبون بدرجة كبيرة.
ومن اجل الالتفاف على هذا الفخ الذي نصبه (النواب) في هذا القانون، اقترح على الناخب، وبالحاح، ان لا يصوت للقائمة، اية قائمة، وانما للمرشح حصرا، باسمه ورسمه، او كما يقول المثل، بشحمه ولحمه، وفي اية قائمة كان، فان هذه الطريقة من التصويت ستقلل من الاثر السلبي لهذا الفخ (القانوني) كما انه سيساهم في الكشف عن الاصوات الحقيقية التي سيحصل عليها كل مرشح على حدة، بالاضافة الى ان هذه الطريقة ستقلل من عدد الاصوات التي ستتنقل بين المرشحين.
الامر الهام الذي اتمنى ان تسرع كل القوائم في تنفيذه على وجه السرعة، هو ان تبادر فورا الى تقديم اسماء مرشحيها منذ اليوم، ليتسنى للناخب ان يطلع بشكل كامل على هوية المرشحين، ولياخذ وقته في التمحيص والتدقيق بالاسماء، فربما يحرض ذلك الناخب على ان يحضر الى صندوق الاقتراع ليشارك في الانتخابات القادمة ويدلي بصوته لمن يراه جديرا بالثقة، بعد ان تناقلت الانباء، والكثير من نتائج الاستبيانات العلمية التي اجرتها العديد من المؤسسات المتخصصة في العديد من مناطق العراق، ان الناخب يئس من امكانية التغيير بسبب طبيعة قانون الانتخابات، الامر الذي سيكون سببا لعزوفه للمشاركة في الانتخابات، واذا ما حصل ذلك، لا سامح الله، فان المشرع وحده سيتحمل المسؤولية كاملة، لانه مرر قانونا للانتخابات لا يساعد كثيرا على منح الناخب الامل في التغيير، فلقد كان الناخب ينتظر ان يرى قانونا للانتخابات، يمنحه الحق الكامل والمباشر في اختيار مرشحيه من دون (افخاخ) قانونية، كما هو حاصل الان في نص التعديل الذي صدر اليوم.
أقرأ ايضاً
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- دعوة للمراجعة والتغيير.. عن نظام القبول المركزي في الجامعات العراقية
- كوميديا رئاسة مجلس النواب