إضافة إلى صندوق الاقتراع فان من نعم التغيير النيساني عام 2003 هي حرية التعبير عن الرأي التي افتقدها العراقيون خلال العقود المنصرمة ،والتي عاشوا خلالها في كنف أسوأ ديكتاتورية عرفها التاريخ خلال القرن المنصرم والحالي حتى أصبحنا ننتقد الدولة والمسؤول ونتكلم بحرية حتى على رئيس الحكومة الذي إذا كان المرء يهمس مع نفسه في الحديث عنه ،كانت شياطين الطاغية تتبوأ للمتحدث في مخيلته مقعدا في سجونه التي فيها أبشع أنواع التعذيب والوحشية ..فأصبحنا نتظاهر ونكتب وننتقد ونشجب في أي مسالة معينة تخص الدولة بالصحف ومواقع الانترنت وعبر الفضائيات بدون أن نتعرض لملاحقة رجال الأمن والشرطة السرية التي كانت تستقطب اقرب أفراد العائلة ضمن خطة لتقوية النظام ،فوقع الأب في شرك ابنه وبالعكس ،وقصص سجون صدام شاهد على ما أقول ..
ولكنَّ هنالك سؤالين يطرحان نفسيهما وهما هل لحرية التعبير هذه حدود ومعايير وقواعد وأساليب أم إن المسألة عشوائية وفوضوية تتضمن طرحا للآراء مهما تكن ايجابية أو سلبية...والسؤال الأخر إلى أي مدى استفدنا من حرية التعبير هذه في تشخيص السلبيات وتقوية الايجابيات ..
مسألة حرية الأشخاص في التعبير عن الرأي تنبهت لها شعوب مختلفة مع انتهاء حقب ديكتاتوريات تمادت في حكمها الاستبدادي حدود الدولة التي تنتمي اليها فكان من ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على ان \"لكل فرد الحق في حرية الرأي و التعبير، ويتضمن هذا الحق حرية تبني الآراء من دون أي تدخل والبحث عن وتسلم معلومات أو أفكار مهمة عن طريق أي وسيلة إعلامية بغض النظر عن أية حدود\" وفي العراق وبعد سقوط النظام السابق تضمن الدستور العراقي هذه المسألة المهمة التي ضحى من اجلها أشخاص كثيرون استشهدوا في غياهب سجون النظام فكانت المادتان 38 و40 من الدستور العراقي الدائم اللتان تنصان على مسؤولية الدولة في ضمان حرية التعبير عن الرأي بجميع أشكاله، في حرية الطباعة والإعلان والنشر وعلى ضمان حرية الاتصال والتبادل الفكري شريطة عدم الإخلال بالنظام العام والآداب..
الملاحظ وخلال هذه المرحلة التي يعيش خلالها العراقيون عرس الديمقراطية ان هنالك أساليب متنوعة في التعبير عن الرأي وبالتالي المطاليب التي تعدت المواطن لتصل الى المسؤول الذي هو بصدد المشكلة، الأمر الذي يؤكد إن هناك التباسا واضحا في فهم المواطنة الصحيحة وما لها من حقوق على الدولة وبالعكس فالكثير من الأمور التي يطالب بحلها تعود مسبباتها الى المواطن نفسه من خلال الفهم الخاطئ الذي اشرنا إليه والذي لم يأت ِ من فراغ وإنما جاء نتيجة تهديم المعاني الحقيقية للمواطنة من خلال وسائل عدة من أهمها التربية والتعليم والتي كانت حينها تهدف إلى تنشئة جيل يرسخ دعائم النظام ويقويه فخلفت بذلك ازدواجية في فهم المواطنة الصحيحة ومن الأمثلة على ذلك تأدية خدمة العلم مثلا حيث كان الكثيرون يتهربون منها نظرا لسياسات النظام التعسفية فولدت بذلك سايكلوجية معينة عند شريحة كبيرة من المواطنين تبرز من خلال التعدي على حقوقهم الشخصية والذي جاء متزامنا مع تهالك البنية التحتية للخدمات الضرورية فكانت وعقب تنفس الصعداء بانتهاء تلك الحقبة المظلمة في تكرار المطاليب بتوفير الخدمات الرئيسية والثانوية التي يحتاجها المواطن والتي تلقى بعضها آذانا صاغية وغالبيتها تهمل لعدم وجود تفاعل حقيقي بين المواطن والمسؤول وكذلك فهم الأدوار الحقيقية لكل جانب حتى تتولد بالتالي القاعدة الصحيحة التي انتبهت إليها دول كثيرة أصبحت في عصرنا الراهن وبفترات قياسية في مصاف الدول المتقدمة ،فالبعض يرمي الأوساخ في الشوارع وأمام البيوت ،رغم وجود أماكن مخصصة لها في بعض المناطق ويطالب بتخليصه من النفايات ،وآخرون يبذرون الماء الصالح للشرب رغم الأزمة المعروفة التي تعصف بالبلاد حاليا من شحة مياه نهري دجلة والفرات ،الذي ينعكس سلبا على مناطق أخرى ،ويتعدى البعض على الخطوط الناقلة للكهرباء بل غالبية البيوت تستهلك الطاقة الكهربائية في تشغيل اجهزة لا تحتاجها أصلا لا لشيء وإنما فقط ان الكهرباء الوطنية قد جاءت مما يؤدى الى انفجار المحولات الكهربائية التي هي بالأساس متهالكة ويحرم الجميع خاصة في فصل الصيف من التمتع بهواء بارد او ماء ..
إن من الماهيات الرئيسية في بناء أي مجتمع متحضر تترسخ في فهم الأدوار الحقيقية للمواطن والمسؤول فلابد أذن أولا أن نبحث مشاكلنا بأنفسنا فإذا كنا جزءا من حلها فلا نتردد ولنتعاضد فيما بيننا للوصول الى حل معين واذا لم تكن كذلك فلنطالب بتدخل الدولة وهذا لا يكون بشكل عشوائي وإنما وفق معايير وسلوك خاص حتى لا تضيع بالتالي حقوقنا وندان بأفواهنا ..
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً