شتان بين من يدعو للتوحد والتآلف والتحابب وبين من يدعو للتفرقة والعنف والتنابذ، وشتان بين من يحب الإنسانية ويجعلهم كما وصفهم أمير المؤمنين إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ويريد الخير للجميع، وبين من يريد إبادة كل من لا يوافقه نهجه الدموي والتكفيري ولا يشاطره أفكاره التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكما قيل في محله أين الثرى من الثريا وأين الحصا من نجوم السما، أين من يدعو إلى مخاطبة أبناء الطائفة السنية بإخواننا بل أنفسنا وئدا لفتنة التناحر الطائفي وتأصيلا للأخوة بين أبناء الدين الواحد، ومن يكفر علماء الشيعة ويحرض على الفتنة الطائفية ويستبيح دماء وأعراض وأموال أتباع أهل البيت وهم يشكلون مكونا رئيسيا من مكونات العالم الإسلامي.
الدين الإسلامي كما هو معروف يدعو للسلم والمحبة والمعاشرة بالمعروف والدعوة بالتي هي أحسن إلى مبادئه السامية وأخلاقه الدمثة، وينبذ العنف والقتل وزرع الكراهية والأحقاد والضغائن بين المسلمين، فالذي يدعو للقيم السامية فهو يدعو إلى قيم الإسلام المحمدي الأصيل، والذي يدعو خلاف ذلك إنما يوفر المسوّغ وبغطاء شرعي لاستهداف جميع المذاهب التي تتقاطع معه ولاسيما عموم أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) لأنهم يسيرون على نهج الرسول الأعظم والأئمة الأطهار من ذريته ( عليهم السلام) والعلماء الأعلام ممن تتوفر فيهم شرائط التقليد، والدعوة لتكفير علماء الشيعة إنما هي دعوة لبث الرعب والقتل والدمار في صفوف المسلمين خلافا لما تدعو إليه الشريعة السمحاء.
فالقرآن الكريم والرسول الأعظم يصرحون دائما وأبدا بضرورة العمل على توحيد المسلمين وبث التآلف والتوادد بينهم وعدم إثارة الإختلافات والتناحر والتقاتل بينهم، بينما نرى بعض ضعاف النفوس من يحسبون أنفسهم على الإسلام وهو منهم براء يبثون الفتاوى الشيطانية التي تعطي المسوّغ والمبرر وبغطاء شرعي منحرف للمجرمين التكفيريين المتشددين بقتل علماء الدين المخالفين لنهجهم المعوج واستهدافهم بأعمالهم الإرهابية.
وكما أكدت المرجعيات الدينية لأتباع أهل بيت النبوة وتؤكد دائما على جميع المؤمنين ولاسيما أولئك الغيورين على وحدة الإسلام وتآلف المسلمين وتوحدهم أن يقفوا بوجه التكفيريين الذين يوفرون الأرضية لقيام الإرهابيين بالأعمال الإجرامية والتي تؤدي إلى إضعاف المسلمين وزرع الكراهية والأحقاد والضغائن بينهم وتشتت صفوفهم، وتوفر للأعداء فرصة إضعافهم وتفريقهم وهذا ما يطمحون إليه ويأملون من تحققه في أوساطهم عن طريق شراذمهم شذاذ الآفاق الذين تتبدد مخططاتهم الشوفينية لا محالة بصخرة الإيمان والتحدي الضارب بأطنابه في أعماق المسلمين الغيارى.
مدرسة التشيع إنما تمثل الإسلام المحمدي الأصيل لأنها نبعت من أصل الرسالة وانبثقت في زمن الرسول حيث أصّلها بقوله: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار، والمعتنقون لهذا المبدأ إنما يرتكزون على ثوابت نصية وعقلية لا يمكن لهم أن يتنازلوا عنها بمجرد تخرصات البعض، وجميع المسلمين من حقهم اتباع أي مذهب يرتئونه ولكن ليس من حق أحد أن يفرض مذهبه على أي شخص أو جماعة وليس من حق أحد أن يكفر أي جماعة ما دامت تنطق الشهادتين، ويبقى الإنسان مخيرا بانتخاب أي مذهب بالدليل القاطع والإقناع القلبي واليقين الذاتي بعيدا عن الإرهاب والإقصاء والتهميش، لتبقى الحقيقة ناصعة تجذب إزاءها أصحاب العقول النيرة وتسترشد بقوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر : 18].
إن جميع فتاوى التكفير التي انطلقت وتنطلق من علماء التكفير هدفها شق عصا المسلمين وتحريض على الفتنة الطائفية، وليس بعيدا عن تلك الأهداف المشؤومة التطاول على علماء الشيعة وهو بمثابة تطاول على مشاعر جميع المسلمين ودعوة لبث الفتنة الطائفية بين صفوفهم، وما يجري من إراقة دماء الأبرياء من أتباع أهل البيت في العراق يعد من تداعيات تلك الفتاوى التكفيرية، وإن هكذا فتاوى ضالة تهز مشاعر المسلمين من جميع الطوائف، وهي مدعاة لوقوف الأحرار في العالم ضدها ومحاكمة مطلقيها والتعهد لأولي الشأن بعدم تكرارها.
وليعلم الجميع إن الأحكام الإلهية والرسول الأكرم والأئمة الهداة والمراجع العظام وعلماء الدين المخلصين أولئك الذين يحرسون عقائد الناس ويذودون عن القيم والفضائل والمكارم خطوط حمر لا يمكن بأي حال من الأحوال مسها والتعرض لها بسوء لأن حياة بدون عقيدة وأخلاق وفضيلة لا خير فيها وهي بحقيقة الأمر عناء وشقاء ومتاهات، وكل من تسول له نفسه خدش الثوابت الإلهية والتهكم والتعريض بها سيلاقي الخزي والعار والشنار عاجلا أم آجلا.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- دعوة للمراجعة والتغيير.. عن نظام القبول المركزي في الجامعات العراقية
- كاسر الاستحلاب.. دعوة لانشاء معمل بتروكيماويات في العراق