\"العراق بحاجة إلى دمي\" هذا ماردده الشهيد محمد باقر الصدر أمام طلبته حينما عرضت عليه مغريات الدنيا ورفضها، مفضلاً أن يضيف أسمه إلى سجل الشهداء لا إلى سجل الأموات، وصدقت نبؤته التي غيرت نظام الحكم فيما بعد.
على الرغم من نبوغ وعبقرية ذلك المفكر الكبير الذي بقي اسمه يتردد بقوة بين أوساط الباحثين والطالبين للعلوم عن ذلك المستوى العلمي وتلك الشخصية الإنسانية الملهمة إلا انه أبى إلا أن يترك كل ذلك متوجها لساحة الشهادة ويترك محبيه ومناصريه في يتم وحزن عميق لخسارتهم صاحب المشروع الوطني.
لقد تعامل الصدر مع العراق بصفة الأب لجميع أبنائه مع انه كان يحسب على طائفة معينة لكن نظرته الأبوية الجامعة قد طغت على فكره وعمله مما ضاعف من خطورته على السلطة آنذاك.
فلازالت أصداء نداءاته ترن في مسامع العراقيين حينما كان يقول أيها الشعب العراقي : إني أخاطبك أيها الشعب الحرّ الأبي الكريم، وأنا أشدُّ الناس إيماناً بك، وبروحك الكبيرة، وبتاريخك المجيد، وأكثرهم اعتزازاً لما طفحت به قلوب أبنائك البررة، من مشاعر الحب والولاء والبنوة للمرجعية إذ تدفقوا إلى أبيهم يؤكدون ولائهم للإسلام بنفوس ملؤها الغيرة والحمية والتقوى يطلبون منّي أن أظل أواسيهم وأعيش آلامهم عن قرب لأنها آلامي.
كشفت تلك النداءات وتلك المؤلفات وذلك الدم بأن محمد باقر الصدر كان يؤسس لمشروع وطني كبير يسعى لتغيير واقع العراق واستطاع إلى حد كبير في أيقاظ هذه الأمة من سباتها العميق ليشعرهم بمسؤوليتهم تجاه الوطن الذي هو فوق جميع الانتماءات العرقية والمذهبية وهذا ما تحقق فيما بعد وبقي ذلك الفكر وذلك المنهج راسخا في ذاكرة الجميع.
لقد خلف فقدان الصدر بعد التاسع من نيسان عام 1980 خسارة كبيرة للعراق وللإسلام عموما فالبعث أجرم بحق هذا الشعب الكثير من الجرائم لكن شكلت مسألة اغتيال الصدر أبشع وأشنع جريمة باغتياله رمزا توحد خلفه الكثيرون من أوساط الطلبة الجامعيون والأوساط المثقفة وغيرها التي حرمت من إكمال ذلك المشروع الوطني.
لكن باقر الصدر كان حاضراً في قلوب العراقيين الذين لم ينسوا تلك التضحية العظيمة وان كانت مرارة لخسارة معرفية لاتقدر بثمن.
واليوم ونحن في الذكرى التاسعة والعشرين من استشهاد العراقي الأصيل، والشهيد الذي بنى فكرا وطنياً اراده أن يكون صمام أمن وأمان لشعبه، وقدم حياته من أجل ذلك. فكان حقا فوق الميول والاتجاهات كما كان يقولها ويرددها دائماً، فوضع العراق فوق كل شئ. وأول بذرة حب وحنان، زرعها في قلوب العراقيين ليجتمعوا حولها، لتأسيس نظام وسلطة يجعلها في خدمة شعب أحبه، وضحى من أجله، فاغتالته أياد آثمة ومخربة حاولت تخريب ما بناه هذا القائد، الذي سكن عقول وقلوب الجميع ولم يزل، فصار حبه دليل وطنية من أحبه.
أخيراً أتمنى ان يأتي اليوم الذي نحتفي فيه بمبدعينا من علماء وأدباء وفلاسفة وفنانين وغيرهم من قادة الفكر والفن والأدب والإعلام والرياضة, على ارض وطننا الحبيب, وهم أحياء معززين مكرمين يرفلون بالعز والكرامة وتعلو هاماتهم أكاليل المجد.
والاهتمام الأكبر بفكر الشهيد الصدر وتطبيق مشروعه الوطني الذي ينأى عن التحزب والطائفية، كما كان يشير دائما بأحد خطاباته \"وأني أود ان أؤكد لك يا شعب آبائي وأجدادي إني معك وفي أعماقك ولن أتخلى عنك في محنتك، وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك\".
حارث الخيون
أقرأ ايضاً
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية
- العراق في المونديال.. الحلم المشروع
- العراق وأزمة الدولة الوطنية