- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أيتامنا أولى بها... أيها المالكي
ان القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية بمنح (5 مليون دولار) مساهمة منها في اعمار غزة يدل بلا شك بان العراق بدأ يتعافى \"قوميا\" وينتعش عروبيا ببوادر الانفتاح على محيطه الاقليمي والعربي ويهنأ ب\"تباشير\" عودته الى \"الصف\" العربي ولكن ليس باقتطاع ذلك من لقمة أطفاله اليتامى الذين بلغ عددهم بحسب الاحصاءات الرسمية خمسة ملايين ..او من قوت أرامله وأياماه وثواكله المليون وعلى حساب فقرائه الملايين والذين مازالوا يعيشون في المقابر ويفترشون الارصفة وقارعة الطريق ويسكنون ذات \"الصرايف \" التي حاول الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم ان ينتشلهم منها ويسكنهم في بيوت تليق بالمواطن العراقي ..ومن يدقق النظر من خلال التقارير التي بثتها وسائل الاعلام والفضائيات يرى ان الواقع الطوبوغرافي والديموغرافي والبنى التحتية ومستوى المعيشة لسكان غزة افضل بكثير من الواقع البائس لملايين العراقيين الشرفاء و\"القطاع\" حاله احسن بكثير من مدن العراق الجريح...وحين كان الطاغية المقبور يذبِّح ابناء شعبه ويسومهم سوء العذاب كانت بالمقابل صوره الدونكيشوتية المضحكة تكتسح و\"بجدارة\" وبكل \"احترام\" شوارع وبيوت غزة وكانت الزغاريد الحماسية والحمساوية تملأ الارجاء وكان الغزاويون \"النشامى\" يلهجون بالدعاء لقائدهم المفدى \"سطام\" الذي كان آنذاك يقتطع من قوت العراقيين ومن عرقم وشقاهم ليطعم غزة وابناءها اثناء الحصار الجائر الذي شد فيه العراقيون احزمة الفاقة والجوع والبؤس على بطونهم الخاوية ...وإبان اشتداد سعار الهجمة الإرهابية التكفيرية السلفية على شعبنا واستكلاب من كان لحم اكتافه من خير العراق على شعبه المنعتق من نير الديكتاتورية وحين كانت اشلاء الابرياء تتناثر في الطرقات وكانت الجثث الملقاة تغزو شوارعنا ومدننا وثلاجات الطب العدلي كانت الاصوات تتعالى في غزة وغيرها مشيدة \"بالمقاومة\" ومكفرة الغالبية العظمى من العراقيين باعتبارهم خونة وروافض واذناب المحتل...
سنون طويلة عجاف عاشها العراقيون لم يجدوا صوتا عربيا واحدا من غزة او فلسطين او من ذلك الامتداد العربي العريض يعلن عن موقف متضامن مسؤول وشريف وانساني تجاه العراق وشعبه وعلى الاقل يكبح جماح الاعلاميات المسعورة والفضائيات المشبوهة التي كانت تنبح وتنهق وتنهش اللحم والعرض العراقي مع استمرار غض النظر عن تدفق آلاف التكفيريين والبغال المفخخة من فلسطين ( الزرقاوي ورائد البنا نموذجا) آتين كالجراد الغازي ومن الامتداد العربي العريض ذاته الذي كان يصفق ويهلل ويطبل ويزمر لصدام حسين .. ومايزال..
العراق الجديد بحاجة الى الفلس الاحمر ومايزال يئن ويلعق جراحه من سياسات النظام المقبور وعنترياته الرعناء مع الاخرين وما مسألة الديون التي لم يتنازل عنها بعض \"الاشقاء\" الا تعبير عن روح \"التضامن\" العربي القومي التي يتحلى بها اولئك \"الاشقاء\" مع معرفتهم التامة بمظلومية الشعب العراقي وعدم مسؤوليته عن ذلك ...العراق الان محتاج وبشكل حاد الى اكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية ويعيش ابناؤه في ازمة سكنية طاحنة لم يشهدها العالم المعاصر مثيلا لها وهو بأمسِّ الحاجة الى جميع مستويات البنى التحتية التي تعيش الان في اطوارها الجنينية الاولى والى مستويات من البنى الفوقية لينتقل الى العالم شبه المتحضر وياخذ موقعه المحوري في المنطقة والعالم ..والعراق بحاجة ملحة الى من ينصف شهداءه وايتامه وارامله وثواكله وضحاياه وهو بحاجة الى من يطعم ويكسي فقراءه ويؤمِّن خائفيه ويسترجع مهجريه وهاجريه ويرد الاعتبار الى مظلوميه من العرب والكرد الذين غيبوا في المقابر الجماعية والى عشرات الآلاف من الكرد الفيلية الذين لم ينصف مظلوميتهم احد بعد ان جردهم الطاغية من كل شيء.. ويحتاج العراق الكثير والكثير في وقت مازال الفساد المالي والاداري والسياسي والحزبي ينهش بخاصرته كما تضرب الازمة المالية العالمية اطنابها على اقتصاده الوطني الذي مازال هو الاخر يحبو ويتعثر على استحياء وهو ما ادى الى تخفيض ميزانية العام الحالي الى عشرة بالمائة (لحد الان) ...
وهذا المبلغ (خمسة مليون دولار) غير ذات جدوى اقتصادية قياسا الى الدمار الهائل الذي اصاب غزة وهو في ذات الوقت غير ذات جدوى سياسية لانه لا يستطيع ان يغير من \"القناعات\" الفاسدة التي ترسخت في مخيال الرأي العام العربي تجاه العراق وشعبه ..
ليس المطلوب من العراق ان يغلق ابوابه ويطمر منافذه ويتقاطع مع محيطه العربي والاقليمي بل المطلوب ان يلتفت الى نفسه اولا ويداوي جراحه ثانيا واطفاله وايتامه وفقراؤه احوج من غيرهم بهذه الملايين الخمسة من الدولارات التي هي بلا شك لا تساوي شيئا امام \"السخاء\" العربي والكرم العروبي الباذخ حين قدم المانحون العرب اربعة مليارات دولار لإعمار ما دمرته حكومة الدراويش المتخلفة في غزة، وهؤلاء المناحون لم يقدموا أي شيء للعراق المدمر وشعبه العربي المسلم المظلوم بل وان بعض \"هؤلاء\" وبهذا السخاء منقطع النظير ل\"اخوانهم\" في غزة مايزالون مصرين على ان يدفع الشعب العراقي اخر فلس من التعويضات المترتبة عليه حيالهم !!!
اما الانفتاح العربي والاقليمي على العراق فهذا يدل على ان البوصلة العربية والاقليمية بدأت تتحرك بالاتجاه الصحيح الذي كان يجب ان يكون من زمان بعيد نحو العراق وليس العكس كما يروج بعض سياسيينا لذلك.... العراق هو قبلة العرب وكعبة القصاد وابو الخير...
عباس عبد الرزاق الصباغ
إعلامي وكاتب [email protected]
أقرأ ايضاً
- علاوي يكشف أسرار فترة تكليفه ...حقائق واسرار تنشر للمرة الأولى في العلن
- أيها النواب.. الدولار يلاحقكم
- أيها النواب.. الدولار يلاحقكم