- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قوت الناس بين التشريع والمتاجرة
بما أن النظام الإسلامي يشجع دائما على الإنفاق والبذل في سبيل الله لإشاعة روح التكافل الإجتماعي في أوساط الشرائح المختلفة، وبما أن العدالة الإجتماعية لا يمكن لها أن تتحقق إلا بالتوزيع المتكافئ بين أفراده، وأقول المتكافئ لكي لا تغمط حقوق العاملين والمتفوقين والساعين في هذه الحياة الدنيا مع حفظ حقوق الطبقات الفقيرة والمعدمة وكبار السن وذوي العاهات والبلوى فإن حقوقهم مصونة في العيش الكريم ضمن المجتمع الإسلامي المتآخي المتحابب في الله ورسوله وعترته الطاهرة الذين أوصوا المسلمين قاطبة بالإنفاق الواجب والمستحب لتحقيق العدالة والتكافل الإجتماعي في توزيع الثروات حتى تردم الفجوات الهائلة بين أفراد المجتمع الإسلامي والجميع يعيش في كنفها مع تفاوت معقول ومقبول وليس تفاوت مقيت يسحق فيه الضعيف بما متع به الغني كما يحصل في المجتمعات المادية والرأسمالية، وانطلاقا من هذه الفكرة فقد حث الإسلام على الإنفاق بشقيه الواجب والمندوب لتقليل الهوة بين الغني والفقير وهو على كل حال امتحان للغني في البذل وللفقير في الصبر، وكلاهما تقضى أيامه ولياليه بما تحمل من تخمة وشظف ولكن الباقي منهما المواقف الإنسانية التي ينتشي إزاءها الغني في العطاء والفقير في الصبر وحياة العفاف والكفاف.
والدين الإسلامي كما يحافظ على المصلحة العامة فإنه يحافظ على المصالح الشخصية ويؤكد أن مال المؤمن ودمه ونفسه حرام وكذلك الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم، لذلك يدعي البعض أن الإسلام هو مزيج بين الإشتراكية والرأسمالية وهذا التفسير مرفوض مردود على قائليه وإنما التشريع الإسلامي هو من عند الله وهو أعلم باحتياج البشر، والأحكام الإلهية هي التي تعالج جميع المشاكل وليس من الضروري معرفة كنه الأحكام ولربما عقولنا لا تتحمل تفسير فلسفة تشريع بعض الأحكام وأنها غير منصوصة العلة وإنما هي أمور تعبدية تكون على أساس أن الله تعالى لا يريد من أحكامه سوى اللطف والرحمة بالعباد.
وللوصول إلى الحالة المثلى في توزيع الثروات وبسط العدل والقسط بين أوساطنا، فإن الإسلام حث الجميع على السعي والعمل والكد والكدح والمثابرة في الحصول على الرزق الحلال بعد استخراج الحقوق الشرعية التي تكفل الطبقات السفلى في المجتمع، ولهذا جاء الثناء على الطبقات الكادحة حتى أن الرسول الأعظم كان يقبل بعض الأيادي العاملة الكادة على العيال وهو يقول يدا يحبها الله ورسوله، وفي هذا الإطار جاءت التأكيدات في الأحاديث المروية عن المعصومين أن اليد العليا خير من اليد السفلى، ولولاها لما أمكن بناء المؤسسات الاجتماعية ودور الأرامل والأيتام والتواصل مع العوائل المنكوبة والمتعففة، وإنما الأفضلية والخيرية جاءت من صميم المصلحة العامة ولا مجال للشأنية والشخصنة في التشريع الإسلامي، وإنما النوع الإنساني والخدمة للبشرية والتسامي عن الماديات والسفاسف هي المطمح الكامن وراء التشريع الإلهي.
ومن هذا المنطلق فنحن نكرر ما قاله خطيب جمعة كربلاء المقدسة سماحة السيد الصافي من ضرورة محاسبة الذين يتاجرون بقوت الناس ونشد على يديه عندما وجه كلامه للمسؤولين المعنيين أن ينتبهوا إلى تحقيق التكافل الإجتماعي، ويخلصوا في القول والعمل ويجتنبوا الغش والخداع فمن غشنا ليس منا ويحاسبوا كل من يحاول أن يتاجر بقوت الناس ولاسيما أولئك الذين يتربعون على الكراسي، حيث أن نتيجة الإهمال هم أطفال العراق يذهبون إلى الهلاك!! فلماذا هذا التماهل وهذا التكاسل لإرجاع الأمور إلى نصابها؟! ونقول كما قالها سماحة السيد نرجو من الله أن يقيض لهذا البلد أناسا يشعرون بمعاناة الآخرين ويتحسسون بمعاناتهم حتى يكون الفقير أول المستفيدين، ويشعر المواطن بالاطمئنان وهو يرفل في بلد يسوده الصحة والأمان.
أقرأ ايضاً
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي