لا يزال الملف الاقتصادي في العراق يشكل واحدا من أكثر الملفات تعقيدا وأكثرها غموضا في آن معاً، حيث اعتماد العراق بشكل كبير على النفط كمصدر وحيد للموازنة العامة، رغم التحذيرات، جعلت من البلاد تتجه في كل مرة لتغطية العجز عبر الاستدانة من الخارج أو الداخل، لتأثر النفط بالأزمات العالمية.
حيث لم يستطيع العراق خلال السنوات الماضية أن يطور القطاعات الاقتصادية رغم الوفرات المالية، وذلك لاستخدامها في النفقات التشغيلية دون الاستثمارية، فضلا عن اعتماده على القطاع الحكومي الأمر الذي شكل ضغطا كبيرا على الموازنة العامة للدولة لكونها تذهب بمجملها كرواتب للموظفين.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عدم الاعتماد على الموازنة وأسعار النفط وعلى الوظائف الحكومية، والتوجه نحو القطاع الخاص.
جاء ذلك خلال استقباله عدداً من المستثمرين ورجال الأعمال من أصحاب المشاريع المتوسطة، حسبما ذكره المكتب الاعلامي للسوداني، والذي ذكر أن اللقاء شهد استعراضاً لأهم المشاريع التي يجري تنفيذها، والمعوّقات والمشاكل التي تواجه أصحاب العمل وسبل معالجتها.
وأشار السوداني خلال اللقاء الى "توجه الحكومة نحو دعم القطّاع الخاص، ودعم الشركات الصغيرة"، مشيراً الى "إجراءات تنشيطية تتخذ للمرّة الأولى، ومنها الضمانات السيادية التي قدمتها الحكومة للمشاريع التي ينفذها القطاع الخاص".
ونقل البيان عن رئيس مجلس الوزراء، قوله إن "هذه الخطوات تأتي انطلاقاً من رؤية الحكومة لعمل الدولة على أنه لايمكن أن يدار فقط من خلال مؤسسات الحكومة والقطاع العام، والاعتماد على موازنة وأسعار النفط، وعلى الوظائف الحكومية، بل يجب أن يكون هناك فهم مجتمعي للقطاع الخاص، وخوض التجربة للمشاريع الصغيرة وتطويرها".
وأضاف البيان أن "اللقاء تطرق الى التحدّيات التي تواجه الإصلاح الاقتصادي والمالي في ملفات عدة، حيث يواجه تطبيق نظام الدفع الالكتروني عراقيل كثيرة، كما توجد محاولات التفاف على الإصلاح الضريبي، وتسجيل الشركات والإجراءات الجمركية، و تجري معالجتها جميعاً، مؤكداً ان الحكومة أيضا تواصل إجراءاتها في إصلاح القطاع المصرفي".
وتابع البيان أن "السوداني تحدث عن عقود مشاريع المدن السكنية الجديدة، موضحاً أنها تستهدف حلّ أزمة السكن وتنشيط الصناعة في الوقت نفسه، حيث يخدم قطاع الإنشاءات هذا التوجّه مما يرفع الطاقة الإنتاجية المحلية في هذه الصناعات".
وكانت مؤسسة "عراق المستقبل" المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية نشرت في تشرين الثاني الماضي، عن أن العراق يعد الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة، مبينة أن نسبة العاملين في القطاع الحكومي بالعراق بلغت 37% بين مجموعة دول شملتها الدراسة، إذ يعتبر القطاع الحكومي الأكثر ضغطا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يزيد من الضغط على القطاع العام.
يشار إلى أن وزارة التخطيط اعلنت في كانون الاول الماضي، عن اسهام القطاع الخاص بنحو 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر نصف الأيدي العاملة في البلاد، الأمر الذي يستدعي منح القطاع الفرصة الكاملة لتعزيز تواجده في مختلف مفاصل الاقتصاد.
وصوّت مجلس النواب في حزيران الماضي، على قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023,2024,2025، حيث تعد الأضخم في تاريخ البلاد بعد مناقشات استمرت لخمسة أيام، وتبلغ قيمة موازنة العام الحالي، 197 تريليونا و828 مليار دينار عراقي، (نحو 152.2 مليار دولار)، بعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار (48.3 مليار دولار) يعد الأعلى ويزيد على أكثر من ضعفي العجز المسجل بآخر موازنة لعام 2021 حين بلغ 19.7 مليارا، وهو ما يعده مراقبون ناقوس خطر سيفاجئ الحكومة الحالية في حال تراجع أسعار النفط.
وأكد رئيس الوزراء محمد السوداني، في تموز الماضي، أن الحكومة ملزمة بتنفيذ قانون الموازنة الثلاثية، لافتا الى أن حكومته ستراجع التعديلات البرلمانية التي اجريت عليها ومدى مطابقتها وأهدافها الحكومية.
أقرأ ايضاً
- انخفاض طفيف بأسعار الدولار في العراق
- استقرار أسعار الدولار في العراق
- بأكثر من 4%.. النفط يتجه لتسجيل مكاسب أسبوعية