سجلت جرائم السرقة تراجعا ملحوظا خلال السنة الحالية بعد ارتفاعها خلال العاميين الماضيين اثناء مدة الحجر المنزلي إبان جائحة كورونا، غير أنها لم تنعدم كليا فما زالت السرقات البسيطة في المناطق الشعبية تسجل أرقاما، بحسب قضاة تحقيق.
ويرى قاضي محكمة تحقيق بغداد الجديدة جاسم محمد كاظم صعوبة في تحديد نسب جرائم السرقة وتسجيلها جميعا في المحاكم لعدة أسباب منها مجهولية الفاعل أو رغبة الضحية في عدم كشف تعرضه للجريمة لأسباب عائلية أو اجتماعية".
وأكد كاظم بحسب صحيفة "القضاء" تراجع جرائم السرقة مؤخرا عن نسبتها في العامين الماضيين، مشيرا إلى أن "حوادث السرقة تضاعفت خلال مدة فرض حظر التجوال الذي رافق جائحة كورونا خلال الفترة الماضية لاسيما مع تعطل اغلب الأعمال، ما ادى إلى زيادة هذا النوع من الجرائم لدوافع اقتصادية معيشية".
وزاد "بعد زوال حظر التجوال ورجوع الحياة الاقتصادية إلى نشاطها وتوفر فرص العمل لوحظ انخفاض مثل هذه الجرائم".
وعن الدوافع والأسباب التي تقف وراء هذه الجرائم، أضاف أن "اغلب السرقات ترتكب بدافع اقتصادي بسبب عدم توفر فرص العمل لأغلب الشباب العاطلين ما يدفع بعضهم إلى ارتكاب السرقة"، مؤشرا دوافع أخرى كـ"التأثر بما يعرض على وسائل التواصل الاجتماعي من مظاهر ترف ورغبة في الوصول الى الثروة ما يدفع الى ارتكاب جرائم السرقة".
ولم يعد ارتكاب هذه الجريمة مقتصرا على الرجال، بل شاركت في ارتكاب بعضها النساء وبعصابات منظمة تستهدف الدور ومحلات المواطنين وبأساليب عديدة، كما يقول القاضي كاظم.
وعن أبرز المسروقات، تابع كاظم أن "أغلب السرقات تستهدف الأموال والمصوغات الذهبية لقيمتها المالية العالية وسهولة التصرف فيها أو إخفائها إذ يتم صرف النقود على الملذات الشخصية وبيع الذهب بأسعار مرتفعة كونه مرغوبا في أوساط المجتمع ولا يمنع ذلك من تعرض باقي الأموال المنقولة للسرقة مثل العجلات وأجهزة الهاتف والأشياء الثمينة الأخرى وما ينطبق عليه المثل كل ما خف وزنه وغلا ثمنه يكون هدف للسرقة من الجناة".
ويلاحظ القاضي أن "طابع جرائم السرقة في المناطق الشعبية يتجه إلى الأشياء البسيطة مثل اسطوانات الغاز والدراجات النارية والأثاث المنزلي، أما في المناطق التجارية فيكثر فيها سرقة النقود من المتبضعين عند تجوالهم في الأسواق وكذلك سرقة المخازن التي يتم حفظ البضائع بها".
وزاد "ترتكب جرائم السرقات البسيطة باختلاس مال المجنى عليه كـسرقة محفظة النقود من جيب المجني عليه دون الشعور بذلك، أما السرقات المركبة فترتكب تحت تهديد السلاح وبالإكراه عادة من عصابات متمرسة في ذلك وهي جرائم خطيرة تقترن عادة بجرائم أخرى".
يقتل بـ200 الف!
ويروي القاضي جاسم محمد كاظم أنه "في محافظة بغداد تم العثور على جثة صبي مقتول خنقا بواسطة سلك على رقبته وهو مرمي في ساحة بعيدة للنفايات وقد باشر مكتب مكافحة الاجرام المختص التحقيق بالحادث وبالرجوع إلى تسجيلات الكاميرات القريبة من محل الحادث تم مشاهدة دراجة المجني عليه (نوع ستوتة) يقودها أحد الأشخاص وتم متابعته بواسطة الكاميرات إلى أن تم التعرف على هويته والقبض عليه".
ويقول إن "الجاني اعترف بانه أستأجر المجني عليه وعند وصولهما إلى دار مهجور طلب منه النزول لمساعدته في تحميل بعض الأغراض وعند دخولهما قام بمباغتته من الخلف وخنقه بواسطة سلك إلى أن فارق الحياة وقام بتركه داخل الدار واخذ الدراجة بعيدا وعاد ليلا ونقل الجثة ورماها في ساحة النفايات، وفي صباح اليوم التالي قام بفتح محرك الدراجة ووضعه على دراجته المعطلة، فيما اتضح ان قيمة المحرك مقداره مئتي الف دينار فقط وبعدها رمى الدراجة قرب أحد الأنهار البعيدة عن السكان وقد اعترف المتهم بجريمته تحت الضمانات القانونية وأجري له كشف الدلالة لبيان طريقة ارتكاب الجريمة و أن الدافع كما بينا لحصوله على محرك لا تتجاوز قيمته 200,000 الف دينار ".
من جانبه، قال قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة عامر حسن شنته إن "الأسباب التي تدفع المجرم إلى ارتكاب جريمة للسرقة بحسب ما أكده الباحثون في مجال الجريمة والتي تسهم بشكل أو أخر في رفع معدلات ارتكابها وتلك الدوافع قد تكون اقتصادية أو اجتماعية مثل مستوى التعليم وتماسك الوسط العائلي والبطالة ومستوى الدخل الفردي وغير ذلك، كما أن تلك الدوافع قد تكون متعلقة بمدى سيادة القانون وقدرة الدولة على ضبط الامن وصرامة العقوبات المفروضة على مرتكبي الجرائم ومن خلال الاطلاع على الدعاوى المعروضة علينا والخاصة بجرائم السرقة".
ويرى أن "للوضع الاقتصادي للأفراد اثرا كبيرا في توجيه سلوكهم نحو ارتكاب الجريمة من عدمه وهناك اتجاه بارز في دراسة اسباب الجريمة يربط بين معدلات الجريمة والمتغيرات الاقتصادية من خلال التحليل الاقتصادي للجريمة وفي ظل شيوع معدلات البطالة في العراق وزيادة معدلات النمو السكاني بشكل كبير وصل الى المليون نسمة سنويا وعجز الدولة على استيعاب تلك الزيادة وما تتطلبه من سكن وتعليم ورعاية صحية وفرص عمل وازدياد نسب الأمية والتسرب من المدارس والارتفاع المهول لنسب الطلاق وما يتبعه من التفكك الاسري كل تلك الأسباب ساهمت بشكل واضح في دفع الكثيرين الى ارتكاب جرائم السرقة".
وتابع أن "نظرة بسيطة على الشكاوى الخاصة بالسرقات تكشف لنا عن شيوع جرائم السرقات البسيطة في مختلف المناطق إذ تتصدر جرائم سرقة الدراجات النارية والحقائب النسائية قائمة جرائم السرقة ولعل ذلك يعود إلى سهولة التصرف بالمواد المسروقة إذ لا زالت الدراجات النارية على رغم كثرتها الا انها غير خاضعة لنظام تسجيل واضح ومحدد حيث تنتشر الأسواق المختصة ببيعها في مختلف المناطق دون رقابة حقيقية كما أن تلك الجرائم لا تحتاج إلى عصابات منظمة لتنفيذها بل تنفذ بشكل فردي من قبل المتهم نفسه، أما جرائم السرقات الكبيرة مثل سرقة المنازل والمحلات التجارية وحوادث السطو المسلح فقد تراجعت بشكل ملحوظ في الاونة الاخيرة ولعل الفضل في ذلك يعود الى تعافي النظام الامني في البلد وزيادة فاعلية الاجهزة المختصة بمكافحة الجريمة المنظمة".
ويتحدث القاضي عن ابرز الاساليب التي يتبعها اللصوص ومنها ما يكون غريبا وغير مألوف، يبين قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة أنه "يوجد نمط من الكتابة الروائية والقصصية يسمى (الادب البوليسي)، انصح الفاعلين فيه بشدة أن يطلعوا على الدعاوى الخاصة بالسرقات كونها ستسهم بالتأكيد في قدح زناد مخيالهم الروائي واعادة تشكيله على نحو اكثر تشويقا وإثارة، ففي إحدى جرائم السرقة التي تولينا التحقيق فيها قام طالب بكلية الصيدلة بمراقبة منزل المجنى عليه لمدة اسبوعين من خلال نصب كاميرا مراقبة امام منزله بعد أن أوهم سكان المنطقة بانه يعمل في دائرة الأنواء الجوية بعدما ثبت أيضا محرارا لقياس درجات الحرارة ونتيجة لتلك المراقبة على مدار الساعة اختار الوقت المناسب لتنفيذ جريمته وهي سرقة وقتل المجنى عليه بعد أن أخذ الرقم السري للحساب المصرفي للمجنى عليه مع فتح حساب مصرفي خاص به ليقوم لاحقا بنقل الاموال الى حسابه وعلى شكل مراحل، وفي قضية أخرى أوهم الجناة، المجنى عليهن وهن نساء كن قد طلبن الاثاث من احد المحلات بأنهم مندوبو توصيل من صاحب المحل، ودخلوا الدار بحجة ادخال الاثاث الذي كانوا قد علموا بنوعيته من خلال احد اقارب المجنى عليهن وبعد دخولهم الدار قاموا بتقييد المجنى عليهن وسرقة اموالهن ومصوغاتهن الذهبية".
وفي ما يخص المعالجات والحلول خلص القاضي إلى أن "معالجة اية ظاهرة يقتضي الوقوف على اسبابها أولا بغية تحديد الالية المناسبة للتصدي لها وقد تكلمنا فيما سبق عن بعض تلك الاسباب، الاقتصادية منها والاجتماعية، وفي رأينا ان ذلك يتطلب من الباحثين في مجال القانون والاحصاء وعلم الاجتماع بذل جهد اكبر في إعداد دراسات متخصصة تبحث في تلك العوامل وأثرها في ارتفاع معدلات ارتكاب جرائم السرقة بغية الاستفادة منها من قبل الاجهزة المعنية بمكافحة هذه الجريمة للحد منها كما يتطلب بالدرجة الأساس من الدولة ان تعمل على معالجة الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة مثل البطالة وارتفاع مستوى خط الفقر وانخفاض الدخل الفردي وبانتظار تلك الخطوات لا بد من تمتين النظام الامني في مختلف المناطق وخاصة تلك التي تشهد ارتفاعا ملحوظا في جرائم السرقة من خلال التوسع في نصب كاميرات المراقبة ونشر المفارز الامنية بالزي المدني لضبط اية حالات سرقة واتاحة وسائل اتصال مجانية وسريعة للإخبار عن تلك الجرائم".
أقرأ ايضاً
- هل نجحت "برامج الرعاية" بالقضاء على الفقر؟
- بمشاركة 58 براءة:العتبة الحسينية تفتتح معرض لبراءات الاختراع العراقية وتخصص جوائز للمبتكرين(فيديو)
- قروض العراق.. هل تذهب للمكان الصحيح أم لـ"السرقات"؟