- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل سيكون القرن 21 صينياً ام سيبقى أمريكياً ؟
بقلم: د. حازم جري الشمري
تحدث وزير الدفاع الامريكي الاسبق باتريك شاناهان جملة بالغة الاهمية قال: "امريكا لها ثلاث أولويات في العالم : الصين ثم الصين ثم الصين".
وتحدث احد المفكرين طلال ابو غزاله رئيس هيئة الذكاء الاصطناعي في الامم المتحدة قال: "حضرت جلسه في عام 1985 كان عنوانها مستقبل دول العالم في عام 2020 وكانت النتائج المتوقعة أن الصين ستصبح القوة الاقتصادية الاولى في العالم".
ولا يحتاج اكثر من هذا التوضيح بأن غريم الولايات المتحدة الامريكية الان هي الصين التي شكلت هاجساً حقيقاً لها، وقد كثرت الكتابات عن الحرب المحتملة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين التي بدأت تزدهر وتشتد بعد تفشي جائحة كورونا العالمية وهناك ثلاث احتمالات
الاول : تكون حرباً اقتصادية.
الثاني : تكون حرباً اقتصادية ثم تتطور الى حرب عسكرية.
أما الاحتمال الثالث : هو تقاسم النفوذ بشكل جديد في العالم على غرار سايكس بيكو ما اسميناه اعادة ترتيب الجيوبوليتيك في العالم، وسيقود هذا الترتيب الجديد فريقين:
الاول: بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ومن يتبعهم .
اما الفريق الثاني: سيكون بقيادة الصين وروسيا ومن يتبعهم .
من مفاهيم الجيوبوليتيك بانه تصورات الدولة المستقبلية ، والتي يكون لها ثلاث مستويات (محلي واقليمي وعالمي) وأن أغلب دول العالم ستواجه احد مستويات التحدي الجيوبوليتيكي، وأن كل ما حدث من تغيرات جيوبوليتيكية في القرن الواحد والعشرين كان على مستوى محلي او إقليمي لكن ما يحدث الان وهو صراع وأعاده ترتيب في جميع المستويات واهمها صراع المستوى الثالث من الجيوبوليتيك وهو المستوى العالمي بين الولايات المتحدة الامريكية والصين.
فأن هناك الكثير من الصراعات من يتفوق في أهم ثلاثة منها سيتربع على عرش الاقتصاد العالمي للقرن الواحد والعشرين، والاحتمال الاكبر سوف تضطر القوتين الامريكية والصينية على تقاسم النفوذ في العالم ، وهذا ما تسعى له الولايات المتحدة الامريكية وترفضه الصين.
التحدي الاول: هو الصراع على تكنلوجيا الجيل الخامس 5G أن هناك تحديات كثيرة تواجه العالم احدها التجارة واهمها تكنلوجيا الجيل الخامس 5G بالتحديد (الانترنيت) والذي يشكل الهاجس الاكبر للولايات المتحدة الامريكية في علاقاتها مع العالم ومع الصين هذه الشبكات عصب الاقتصاد في القرن الواحد والعشرين بل وعصب المستقبل، أن مستقبل العالم الاقتصادي والسياسي مرتبط جميعه بمستقبل التكنولوجيات، مثل الذكاء الصناعي وكل تطبيقاته التي يعتقد سيكون حجم الاستثمارات فيها حتى 2030 حوالي 16 ترليون دولار يعني بقدر اقتصاد الصين والهند مع بعض .
واستيقظت الولايات المتحدة الامريكية لتجد الانترنيت سرق منها من قبل الصين لا توجد شركة امريكية واحدة عملت على تطوير تكنلوجيا الجيل الخامس 5G ، ونحن نتكلم عن تطور هائل انها حرب تكنلوجية قطعت فيها الصين شوطاً كبيراً، وامريكا تحاول أما أن تشارك فيها الان أو توقفها، والغريب أن دول حليفه للولايات المتحدة من الاتحاد الاوربي وغيره وافقت على الدخول مع الصين في هذه التكنلوجيا رغم تحذير الولايات المتحدة لهم، والاغرب من ذلك أن الحليف الاقرب لأمريكا وهي بريطانيا وافقت أيضاً بالدخول في تكنلوجيا الجيل الخامس الصينية. فمن غير الممكن تشترك الولايات المتحدة الامريكية في شبكات تدير من خلالها امنها القومي وامن جيوشها حول العالم، من خلال شبكات تملكها الصين، لذلك توقع بعض المحللين ومراكز البحوث أن هنالك عدة أسباب ستضطر ترامب اعلان الحرب على الصين منها :
السبب الاول : لان الفيروس قضى على كل انجازات ترمب التي حققها اثناء ولايته، فمن الحكمة أن يصدر فشل ادارته في مواجهة كارثة الفيروس الى خارج البلاد واتهام أحد الدول بذلك، والاولى أن يتهم غريم الولايات المتحدة والحاضنة الاولى للفيروس وهي الصين .
السبب الثاني: سيكون اتهام الصين اداة ضغط واخضاع الصين للجلوس وتقاسم النفوذ الاقتصادي القادم وخصوصاً في ما يخص تكنلوجيا الجيل الخامس والجيل السادس .
الصراع الثاني الدولار : قال مدير البنك الفدرالي الامريكي رزيرد بورد : "قبل كل ليلة قبل ان أنام تأتيني ورقة مكتوب فيها كيف اقفلت اسواق المال، وهناك عمود فارغ في الورقة اكتب فيه اسعار الدولار لليوم التالي في اي دوله كانت"، بمعنى انه يحدد اسعار العملات جميعها كيف يجب ان تكون في اليوم التالي! كيف يستطيع عمل ذلك؟ لان الدولار يسيطرعلى العالم، ان حركة (IMM) حركة النقد اليومي العالمي للدولار من 4-3 ترليون كل يوم، فكيف لا يتحكم بجميع عملات العالم .
أن الدولار هو ملك العالم منذ عام 1948 عندما تنازلت بريطانيا عن ذلك، أما الان فان العملة هي اداة للحرب اقوى من الطائرات والقنابل لان (ملك العملة وملك الانترنيت) يستطيع أن يقضي على اي دولة من خلالهما، يقرر الملك ان هذه الدولة ارهابيه لا يجوز التعامل معها انتهى كل شيء، لم يعد هناك بنك في العالم يتعامل معها اصبحت بلحظه محاصر، فهذه هي الحرب والسيطرة عن طريق الدولار، هذا ما جعل الدول تنادي بعملة اخرى بما فيها الصين وبريكس وقال براون رئيس وزراء بريطانيا الاسبق "حان الوقت لعملة جديدة بدل الدولار" ثم ايضاً قالها الرئيس الفرنسي ماكرون "قال لابد من البحث عن عملة أخرى تكون بيد المجتمع الدولي".
الصراع و السيطرة على النفط :
وهو احد ادوات الحرب، أن سعر النفط لا يحدده لا العرض ولا الطلب بل انه يدار بقرار سياسي من الولايات المتحدة الامريكية، ولا تعتبره الولايات المتحدة سلعة تجاريه ولا خدمية ورفضت جميع الاتفاقيات التي تهدف الى جعل النفط سلعه كباقي السلع بل هي ترى انه سلعه استراتيجية ، أن الولايات المتحدة لا تحتاج الى النفط كمادة بقدر احتياجها له كقوة استراتيجية للسيطرة والتحكم ، أذاً يجب السيطرة على النفط في كل مكان لأنه موضوع اساسي في السيطرة على العالم وفي صراعها مع الصين لان امريكا لا ترى الا الصين.
في كل ما تقدم وضحنا اولويات السيطرة على قيادة العالم في حال أعادة ترتيب الجيوبوليتيك على اساس النفوذ الاقتصادي والسياسي، ولكن يجب الالتفات الى ان تطور الفكر السياسي الامريكي لم يكن عن طريق كتابات فيلسوف معين أو توجيهات مرشد أو قائد، ولم يظهر فيها نابليون أو بسمارك أو اسكندر، لقد جاء التغيير عن طريق عدد من مراكز البحوث والمؤسسات، بعضها عسكري وبعضها أكاديمي وبعضها الاخر مباشر من الممارسات السياسية اليومية وكانت تجربتها الخارقة لقدرتها على استنهاض العالم الاسلامي لحرب المد الشيوعي ومن ثم مثلت دور الدماغ للعالم وتقوده عبر عدد كبير من الشبكات التي تؤدي دور الشرايين والاعصاب والعضلات وتمتد عبر أنحاء الأرض كلها لذلك مثلت قوتها في نفس الوقت ذاته نقطة ضعفها، ومثلما تستطيع أن تضرب أي نقطة في العالم، فأنها معرضة للضرب في أي نقطة في العالم.فان امتدادها الجيوبوليتيكي منبع قوتها لكن لها في كل امتداد مقتل .
نريد في نهاية المقال أن نوضح أمرين:
الأول : أن هذه القوة تدار عن طريق مؤسسات وخلف هذه المؤسسات مراكز بحوث متطورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ. رسخت بناء هذه الدولة ومكنتها من قيادة العالم ولم يكن دور الرؤساء الا رجال ادارة يتقنون ادارة شؤون الدولة لفترة محددة وأن هذه المراكز تجد الحلول لأي معضلة كانت وعلى مر السنين فمن المؤكد أنها قد سبقتنا في البحث في موضوع الصراع بين الولايات المتحدة والصين فالتفوق على الولايات المتحدة الامريكية حلم جميل مغرمه به الكثير من الدول لكن يبقى مجرد قد يصدق جزء منه وهو اعادة ترتيب الجيوبوليتيك.
الثاني : ذكر بعض الكتاب أن هذا العام يعد بداية نهاية العولمة، نعم ممكن بل ذهب البعض الى أنها نهاية التعاون الدولي وبداية توقف الجيوبوليتيك، حسب فهمي عندما توقفت جزء من التفاعلات الدولية للجيوبوليتيك فلا بديل عنها غير الجيوبوليتيك بحلته الالكترونية وهي (الجيوسيبرانية) التي ادامت التواصل الجيوبوليتيكي بين دول العالم ودمجت بين العالم الافتراضي والواقعي رغم الظروف القاهرة التي أجبرت الدول على الانعزال المؤقت، لكن الجيوسيبرانية بديل مؤقت ناجح وهو أحد ادوات الجيوبوليتيك للقرن الواحد والعشرين .
أقرأ ايضاً
- المجتهدون والعوام
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟