عباس الصباغ
من اهم علامات تعافي الدول وسيرها على السكة الصحيحة انتهاجها علاقات خارجية متوازنة ومعتدلة مع مجالها الحيوي وخاصة دول الجوار، وعدم اتباع سياسة المحاور والتكتلات المبنية على اسس عدوانية ضد اية جهة، وعدم التدخل في شؤون الاخرين او التداخل السلبي معهم او الاحتكاك المفضي الى حدوث مشاكل دبلوماسية ساخنة او نزاعات قد تؤدي الى نشوب صراع مسلح يفضي الى نتائج كارثية، فالدولة الناجحة هي التي تحتكم الى المواثيق الدولية ولاتتجاوزها في جميع الحالات التي تستدعي ضبط النفس والحنكة السياسية والتعقل.
بعد التغيير النيساني المزلزل واجهت العملية السياسية عدة تحديات كانت اولها التركة الكوارثية الثقيلة التي خلّفها النظام السابق في عموم مناحي الحياة وبما يشبه الدمار الشامل لها فكان على اصحاب القرار ان يقوموا بترميم الواقع المتهالك والمتداعي الذي عانى منه الشعب العراقي لاكثر من ثلاثة عقود ونيف عاشها تحت نير الديكتاتورية الفاشستية ، وزاد الطين بلة الخطر الثاني الذي تمثل بالسيناريو الارهابي التدميري الذي أُعدّ من بعض مراكز القوى الاقليمية والدولية وعلى اسس سيا/طائفية مبيتة لتقويض العملية السياسية وارجاع العراق الى مربع الصفر، وتجلى ذلك السيناريو التخريبي غداة التغيير النيساني بتنظيم القاعدة الارهابي الذي فرّخ تنظيم داعش الاكثر توحشا منه ودموية فيما بعد، وهما تنظيمان قروسطيان متوحشان سببت اعمالهما الارهابية ولعدة سنوات بعشرات الالاف من الضحايا الابرياء، فضلا عن تدمير مبرمج للبنى التحتية والشواخص المعمارية وضياع الكثير من الفرص التنموية فضلا عن ان مقارعة الارهاب والحرب ضد داعش قد استهلكت الكثير من الاموال التي كان العراق بامسّ الحاجة اليها لاسيما وقد ترافق ذلك مع الازمة الاقتصادية الخانقة التي مر بها العراق جراء هبوط مناسيب اسعار النفط في السوق العالمية، فتحتم على اصحاب القرار ان يزيلوا آثار تلك التحديات التي تركها النظام السابق والارهاب الداعشي الغاشم كون مرحلة ما بعد داعش بقيت بحاجة ماسة لتعزيز الامن الاقليمي الذي يشكّل العراق بؤرة مركزية فيه من اجل علاقات اقليمية اكثر نضوجا، ومحاولة رسم معالم نظام امني سياسي اقليمي يكون العراق محور هذا النظام الستراتيجي .
ولكي يسترد العراق عافيته كان عليه ان يخوض عدة معارك وفي مجالات شتى ويكسبها ولكي يعود له موقعه المحوري كدولة مفصلية مهمة من دول الشرق الاوسط يُحسب لها الف حساب، وبعد ان تمكّن العراق من الانتصار على داعش بتضافر جهود ابنائه وتضحياتهم توجّه الى ترميم مايمكن ترميمه من علاقاته الخارجية مع جميع الدول وهي علاقات لم تكن سابقا مبنية على اسس من حسن الجوار او المصالح الوطنية المشتركة او حماية الامن القومي للبلد بل كانت تسير وفق مزاج السلطة الحاكمة وحسب اهوائها، ولم تكن مبنية على اساس من التوافق والاعتدال فالعراق مايزال بحاجة الى الحوار الاستراتيجي كعامل اساسي في تطوير آفاق التعاون في مجالات العمل المشترك وتقوية أواصر العمل والتعاون بينه وبين دول المنطقة، لا سيما بعد الشوط الكبير الذي قطعه في تطوير علاقاته الإقليمية والدولية مع تضمين المشوار تعاوناً في مجالي تحقيق التنمية المستدامة والبيئة.
وليس بغريب ان يشهد العراق توافد الكثير من زعماء العالم عليه كونه يعيش ارهاصات بناء الدولة الحديثة وبشكل صحيح ويحاول النهوض من كبوته في الفشل التاسيس الدولتي الذي رافق التغيير النيساني 2003 سواء على صعيد تنظيم علاقاته الخارجية او على صعيد الدور الذي يجب ان يلعبه في محيطه الحيوي وهو مرشح خلال الفترة المقبلة للعب دور مؤثر في العلاقات الاقليمية، وانه يستطيع ان يكون نقطة ارتكاز لتلاقح هذه المصالح على قاعدة حماية الامن الاقليمي. فالعراق بدأ يستعيد موقعه المحوري في المنطقة والعالم، من خلال التحركات الدبلوماسية الاخيرة التي نجم عنها توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع العديد من الدول كمصر وايران والسعودية. وهو يختلف الان عما كان عليه بعد 2003، اذ ابعدته المشاكل الامنية والاقتصادية والحرب على تنظيم داعش الارهابي عن ممارسة دوره الفعال اقليميا وعربيا وعالميا واليوم يعود معافى وباختصار شديد ان العراق الذى اريد له ان يكون رجل المنطقة المريض بدأ يتعافى ويسترد عافيته التي غابت عنه طويلا.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي