بقلم: محمد الكاظم
مرات قليلة هي التي تمكن فيها المنتخب العراقي من تحويل الخسارة الى فوز على غرار ما حصل في المباراة الأخيرة بين العراق وفيتنام.
فنحن قوم نستسلم للخسارة دائماً، وليس في كرة القدم وحدها، كأننا نبحث عن الخسارة في كل شيء لنشبع رغبتنا في العويل ورثاء أنفسنا والبكاء على الاطلال.
وصورتنا عن أنفسنا تحمل الكثير من الانكسار والرغبة بتفسير الكون عبر عبارة يائسة مثل "احنا متصير إلنه چاره".
يروي وزير الاتصالات الهندي هذه القصة الطريفة ليدلل بها على تقدم الهند في مجال التكنلوجيا المعاصرة، إذ ان شاباً هنديا فوجئ بشاب اوربي في أحد مطارات أوربا وهو يحمل اليه هاتفه النقال، طالبا اليه ان يساعده في حل مشكلة بسيطة في جهازه.
وحين رد الشاب الهندي بانه لا يعرف اصلاح الهواتف، رد الشاب الأوربي باستغراب كيف لا تعرف إصلاحه، ألست هنديا؟
كشرق اوسطيين لا نعرف عن الهند غير مبالغات أفلام بوليوود، والكاري الهندي، والعمالة الرخيصة ومعارك اميتاب باتشان.
لأن هناك عطباً مزمناً في عقولنا يجعلنا لا نتفاعل كثيرا مع لغة الأرقام.
وقد لا ندرك مغزى هذه القصة التي تؤكد ان الصورة النمطية للمواطن الهندي لدى بعض الدول الاوربية تغيرت كثيراً، فلم يعد الهندي ذلك الفقير الذي يسير على النيران والمسامير حافياً ويلاعب الأفاعي بواسطة المزمار.
فالعقل الأوربي عقل يؤمن بالأرقام ويفهم بالتأكيد معنى ان يحتوي بلد من البلدان على نصف مليار هاتف نقال، ينتج منها 15 مليون جهاز كل شهر، ويفهم معنى ان يبلغ معدل النمو في الهند 8% ليتفوق على التنين الصيني الذي صار يقضم العالم بهدوء، ويعرف ماذا يعني ان تخطط الهند لتكون الاقتصاد الثالث عالميا بعد عقد من الآن.
معنى ذلك ان الهند تمكنت من تغيير الصورة النمطية السائدة عنها لدى الاوربيين على الأقل.
وتجاوزت قبل ذلك صورتها المنكسرة امام ذاتها التي كانت تحوم دائما حول لحظة هزيمتها امام الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن شواطئها.
فلم تبق الهند أسيرة لسردية الاحتلال طويلاً، والتفتت لنفسها وتجاوزت لحظة الانكسار.
ففي لقاء لمسؤول بريطاني مع مسؤول هندي، ذكر البريطاني معلومة عابرة أرادها ان تكون مجاملة لضيفه الهندي الزائر اذ قال ان العاملين في قطاع الطعام الهندي في بريطانيا أكثر من العاملين في مجال التعدين، والفحم، وصناعة السفن مجتمعين.
فرد المسؤول الهندي اذن لقد سجلنا هدفاً في مرمى الإمبراطورية البريطانية العظمى، في إشارة الى احتلال البريطانيين للهند بدايات القرن الماضي. هذا يعني ان الطعام الهندي والثقافة الهندية كانت قوة ناعمة مؤثرة ضربت عقر دار البريطانيين.
هذه إشارات الى روحية تجاوز المشاكل وتحقيق إنجازات على صعيد بناء الدولة واقتصادها، والتخطيط لمستقبلها واستخدام مصادر قوتها الدفينة.
في الحقيقة لا أستطيع ان اتحدث عن قصص عراقية مشابهة. نظرا لغياب النموذج التنموي، وشيوع ثقافة الهزيمة واليأس، وغياب الرؤية وروحية تسجيل الأهداف الناعمة في مرمى الآخرين.
فالشخصية العراقية المعاصرة تبدو لي شخصية منكسرة ضائعة لا تريد ان تضع نفسها في اختبار اتخاذ القرارات الصعبة.
فالعراق لدى اكثرنا هو عبارة عن دكان نبيع فيه النفط ونعيش من عائداته دون ان نفكر في تنويع بضائعه، ومهمتنا في هذا البلد تتلخص في الحصول على المال النفطي لنستورد بثمنه الطماطم والخبز والحلول السياسية، وحين تحصل المشاكل نذهب للبحث عن حلول لها في واشنطن او طهران او الرياض او انقرة.
ومنقذنا المعاصر يأتي دائما في طائرة خاصة. ولا نزال بعد حوالي قرن من عمر الدولة غير قادرين على الإجابة عن أسئلة من نوع من نحن؟ وماذا نريد؟ والى اين نسير؟ الدولة لا تستطيع تسجيل الأهداف دون ان تجهد نفسها بالبحث عن إجابات لهذه الأسئلة.
أقرأ ايضاً
- متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟
- متى .......نتعلم ؟
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة