بقلم: مازن الزيدي
منذ ان وصل دونالد ترامب الى البيت الابيض وهو يستخدم لغة الهراوة مع العراق حكومة وشعباً، ويضع الجميع في زاوية حرجة من شأنها ان تصفّر خياراتنا في العلاقة مع الولايات المتحدة.
فقد بدأت لغة الهراوة بوضع العراقيين في قائمة الممنوعين من دخول الاراضي الامريكية.
ثم التصريح خلال لقاءات واتصالات مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بالمطالبة في السيطرة على النفط العراقي واخذ حصة منه.
تواصلت لغة الهراوة في الضغط على العراق بتصفير علاقته مع ايران فيما يتعلق باستيراد الكهرباء والغاز وغيرها من التعاملات، على الرغم من ان العقوبات الامريكية تستهدف النفط فقط ولاتشمل شراء الكهرباء او الغاز.
ومع اعلان بغداد الالتزام بعدم التعامل بالدولار مع طهران، كما فعلت الهند وتركيا وروسيا، لكن واشنطن تضغط لمنع وقطع جميع التعاملات بين العراق وايران خلال فترة اقصاها ٣ اشهر قادمة غير قابلة للتمديد.
لم تكتف ادارة ترامب بذلك، بل اضافت طلبا تعجيزياً اخر يتضمن حلّ 67 فصيلاً شارك في هزيمة داعش خلال فترة وجيزة، واعلن اغلبها الانضواء ضمن الحشد الشعبي، الذي صوت البرلمان على قانونه وتم ربطه بالقائد العام للقوات المسلحة، وبات يمتلك تمثيلاً برلمانياً هو الاكبر داخل البرلمان العراقي، لاسيما مع ادارج سرايا السلام ضمن القائمة، واصبح جزءا من الحكومة الحالية.
ورغم عدم وجود مصدر رسمي يؤكد الطلب الذي قيل ان وزير خارجية ترامب حمله خلال زيارته الخاطفة الى بغداد الاسبوع الماضي، لكنه بالتأكيد يمثل حقيقة توجه الادارة الامريكية ازاء العراق في المرحلة الحالية والقادمة.
وفي سياق حزمة المطالب الامريكية من العراق؛ اعلن امس عن طلب جديد يتضمن تلويحا بمخاطر اقرار البرلمان العراقي لقانون اخراج القوات الامريكية من البلاد.
وهذا ما ابلغه السفير الامريكي دوغلاس سيليمان لرئيس البرلمان.
وعلى خلفية الزيارة السرية التي اجراها ترامب الى قاعدة عين الاسد واعلان نيته ابقاء قواته لاطول فترة في العراق، بدأت اطراف برلمانية جهودا لاقرار مشروع قانون لإخراج القوات الأجنبية كافة من العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، ودعم القوات العراقية، وتشكيلات وزارة الداخلية و الحشد الشعبي، وتعزيز قدرات سلاح الجو وبناء منظومات دفاع جوي قادرة على تأمين البلاد، وتوقيع اتفاقيات عسكرية للدفاع مع دول الجوار ودول صديقة.
وفي ضوء حزمة المطالب الامريكية ولغة الهراوة التي تستخدم مع بغداد، فانه بات واضحا ان واشنطن تضع العراق وحكومته وبرلمانه في زاوية حرجة.
بل انها اجراءات تقترب من التلويح بورقة طلاق دائم مع العراق، وتدفعه دفعاً نحو خيارات حرجة لاتصب في المصلحة الامريكية اولا وقبل كل شيء.
فما زال بومبيو يواصل طرح مشروع الناتو العربي كحلف عسكري اقليمي لمواجهة ايران، يضم العراق تحت قيادة سعودية / اسرائيلية، كما كشفت ذلك وثائق مسربة نشرتها وكالة رويترز مطلع تشرين الثاني الماضي.
للأسف، فان ادارة ترامب لا تدرك ان جميع القوى السياسية بما فيها تلك المناهضة لامريكا، لا تريد تحويل العراق الى دولة معادية لامريكا، وهي مع علاقات متوازنة بعيدة عن الهيمنة والاملاءات.
لكن الضغوطات الكبيرة التي تمارسها واشنطن على بغداد ستؤدي الى هذه النتيجة الحتمية شئنا ام أبينا، لانها مطالب تعجيزية وتتعارض مع المصالح العراقية اصلا.
وبالتالي فان ادارة ترامب هي من سيتحمل مسؤولية اعلان الطلاق والعداء مع العراق بكل تأكيد.
تحاول اميركا استثمار بعض الانقسامات السياسية لتحقيق اهدافها في العراق بواسطة سياسة التهويل والتهديد والوعيد.
وهو المنهج ذاته الذي يستخدمه ترامب مع تركيا التي هددها مؤخرا بـ"تمزيق اقتصادها" اذا ما حاولت ضرب اكراد سوريا.
إلاّ ان الفرق يكمن بان تركيا تملك قرارها السياسي والسيادي ولديها من الاوراق التي تمنع واشنطن من المضي بضغوطاتها الى حافة الهاوية، خلافاً لما عليه الوضع في العراق رغم الموقف الواضح والجريء الذي اعلنه رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي مدعوماً باصطفاف برلماني كبير يعزز من مواقفه في هذا الشأن.
تأسيساً على الضغوطات الامريكية، فانه يبدو ان العلاقات الدولية يصدق فيها الحديث الذي يصف الطلاق بانه ابغض الحلال، لكنه قد يكون مستحباً بل واجباً اذا ما كانت العلاقة بين دولتين لا تحترم الخصوصيات، ولا تقوم على المصالح المشتركة والمتبادلة.
فلا مصلحة عراقية بمعاداة ايران وقطع العلاقة معها ومنح امريكا قواعد لمهاجمة ايران او تنفيذ ضربات داخل سوريا.
وبالتأكيد لا مصلحة للعراق بانضمامه الى ناتو تقوده السعودية من اجل التطبيع مع اسرائيل.
الان الكرة في ملعب واشنطن، فهي من تقرر التخلي عن علاقتها مع العراق او التمسك بها وفق اسس واضحة ومعقولة بعيدا عن لغة الهرواة حتى من دون جزر.
أقرأ ايضاً
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي