- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
علينا أن نقرأ بعضنا بشكل صحيح
عباس سرحان
قبل اربعة ايام احرق محتجون في فرنسا 850 سيارة في ليلة واحدة وعلى هامش الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي.
ولم نسمع تصريحا لمسؤول فرنسي يتهم المحتجين بانهم مندسون او متآمرون، او على الاقل يتهم بعضهم بانهم عملاء لشركات صناعة السيارات التي ستربح كثيرا من هذا العمل لان من أُحرقت سيارته سيلجأ حتما الى شراء سيارة غيرها من خلال شركة التأمين.
نحن في العراق، وأنا منكم، تسكننا عقلية المؤامرة دائما، ونضع كل الاحداث وحتى العفوية منها في دائرة التآمر، ربما كان هذا نتاج ثقافة سابقة رسخت فينا لان وعينا تشكّل في ظل اعلام سلطة حزب البعث وهو يعتبر التعبير عن الرأي والشكوى من سوء الاوضاع وانتقاد السلطة او الاستماع الى اذاعة معادية لحزب البعث مؤامرة.
سنوات طويلة عاشها المجتمع تحت وطأة التشكيك بكل شيء حتى صار سوء الظن ثقافة.
الاحتجاجات الشعبية الاخيرة التي ايدتها المرجعية الدينية ورئيس الوزراء حيدر العبادي وكل(الاحزاب السياسية) شهدت بعض الممارسات مثل احراق ممتلكات عامة او مبان سياسية، وسارع الكثير منا- وانا منهم- لاعتبار هذا العمل "مؤامرة" تحاول ركوب موجة الاحتجاجات، وتم وصف من قاموا به بالمندسين.
لكننا لم نضع أنفسنا مكان صبية مراهقين بلا عمل ولامستقبل، ويعيشون فراغا في كل شيء، ولايتصفحون سوى مواقع الانترنت فتعجبهم صور البلدان الاخرى التي تتطور باستمرار، بينما بلدهم يراوح في مكانه، وشبح الفقر والبطالة يخيم على تفكيرهم.
مررنا بهذه الظروف حين كنا شبابا وكان حزب البعث يخرجنا من حرب ويدخلنا حربا أخرى، وفي بداية الحصار الاقتصادي كنا نعجز عن شراء ملابس او طعام او نستأجر سيارة، ومع أن الحياة كانت بسيطة وقتها لم نقدر على تحمّلها، فثار كثيرون وهاجر آخرون واستشهد عشرات الالاف.
حين يشعر الانسان، أي إنسان بانسداد الأفق يتحول الى كائن خطير قد ينفجر في اية لحظة، لهذا علينا أن نضع الاحتجاجات وحتى ما يتخللها من عنف في اطاره الصحيح، فحين يشعر شباب في مقتبل العمر انهم عاجزون عن الانفاق على انفسهم، عاجزون عن السفر، وعن تغيير اجهزة هواتفهم من وقت لآخر فهذا يدفعهم الى الغضب، فهم لايطيقون الصبر والتحمل كما يطيقه كبار السن.
علينا أن نقرأ بعضنا بشكل صحيح، واستغربت حقيقة ليلة امس وانا استمع الى رئيس الوزراء وهو يقول ان الاحتجاجات جعلته يفيق ويعرف مشاكل الناس.
المفروض ان يكون الاستماع الى الناس حين يتكلمون بهدوء أفضل من الاستماع اليهم حين يغضبون ويثورون، لان الامور تصبح معقدة حين يكثر الصراخ والغضب، وقد بدأت الاحتجاجات في البصرة ومدن اخرى منذ 2011 وكتبنا وكتب غيرنا عدة مرات عن ضرورة حل مشكلة المياه ببناء محطة عملاقة لتحلية المياه لان تركيا تنشط لبناء سدود ولديها مشروع استراتيجي في جعل العراق سوقا لخضارها.
قبل شهر من الآن، طالب الكثيرون ببناء سد في البصرة يمنع ذهاب المياه الى البحر. لكن رئيس الوزراء قال "في ظل شح المياه لانحتاج الى بناء سدود لدينا سدود كثيرة"!
وتحت وطأة الاحتجاجات تمت زيادة تدفق المياه بواقع 75 متر مكعب في الثانية لدفع مياه البحر المالحة عن البصرة، هل هذا حل مناسب؟!
نحن نخسر المياه العذبة لندفع مياه البحر، اي اجراء غريب هذا؟ المفروض ان يتم بناء سد ولو ترابي مؤقتا على شط العرب ويتم الاستفادة من المياه العذبة وخزنها في الاهوار والمنخفضات.
وكان من الممكن الاستعانة بالرياح والشمس لبناء محطات كهرباء. لكن النظر الى مطالب الناس على انها"مؤامرة" كانت حجة الفاسدين في الدولة لمنع الاستجابة لمطالب المتظاهرين. وها نحن امام احتجاجات اشد عنفا، واذا لم تتم الاستجابة لها وتهدئة النفوس فالقادم أسوأ.
أقرأ ايضاً
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب