بقلم:هاتف الموسوي
باحث في الشؤون القانونية
رئيس الجمهورية في العراق وفقا لنص المادتين (67 و71) من الدستور يسهر على ضمان الالتزام به ويقسم بان يؤدي مهماته ومسؤولياته القانونية ويلتزم بتطبيق التشريعات بأمانه وحياد,ومن صلاحياته تلك التي نص عليها البند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور انه يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب وان امتنع عن المصادقة ومضت مدة (15) يوما من تاريخ تسلمه لتلك القوانين أضحت المصادقة حكمية وتمضي القوانين للنفاد بعد ان يتم نشرها في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية)وفق مانصت على ذلك المادة (129) من الدستور.
وبعد ان وافق مجلس النواب على مشروع قانون الموازنة الاتحادية وتسلمته رئاسة الجمهورية وبعد ان استعان السيد الرئيس بمستشاريه لدراسة القانون , وبعد ان ثبت العديد من المخالفات الدستورية او القانونية وهي بحق موجودة ولا يمكن تجاوزها بل ان بعضها يثير حفيظة جزء من الشعب , الا ان خاتمة هذا الجهد لم تكن موفقه فأوقعته في ساحة الحنث باليمين وانتهاك الدستور وبدلا من ان تُخرج القانون من بئر المخالفات سقطت فيه.
ان قرار الرئيس بإعادة القانون الى مجلس النواب لتصويب الاخطاء والمخالفات التي شابته لم يسلك في معالجته لها الطريق الصحيح بل حاد عنه وجافى فيه طريق الصواب , ويبدو ان هذا الطريق قد تكرر سلوكه من قبل اذ سبق لرئاسة الجمهورية ان كررتها دون ان يُسأل عنها وغاب عن تنبيهه الرقيب , ومرد مخالفة قرار النقض للدستور أسباب عدة:
1. ان المادة (138) من الدستور التي كانت تجيز لمجلس الرئاسة الاعتراض على القوانين هي مادة انتقالية خاصة بالدورة الأولى لانتخاب مجلس النواب لا يمكن سحبها على المراحل اللاحقة لتلك الدورة وانتهت بانتهائها , وهذا ما أكدته المحكمة الاتحادية العليا بقرارها المرقم (28/اتحادية /2012) الصادر بتاريخ 30/5/2012 , وبالتالي فان رئيس الجمهورية لا يمكن له ان يطبق أحكام المادة المذكورة ومن بينها البند (خامسا) وانه يمارس صلاحياته المنصوص عليها في المادة (73) وليس من بينها الاعتراض على القوانين التي يشرعها مجلس النواب.
2. ان المادة (73/ثالثا) حددت سلطة رئيس الجمهورية بالمصادقة على القوانين الواردة اليه من مجلس النواب خلال مدة (15) يوما فان مضت هذه المدة ولم يعلن المصادقة يصبح القانون مصادق عليه بحكم الدستور ويذهب للنشر , ووضوح هذه الصلاحية لا يحتاج الى تفسير وليس فيها اجتهاد ويدركها المختصون ولا تحتاج الى متخصصين , ورغم ذلك فان المحكمة الاتحادية العليا وبناءا على استفسار من رئاسة الجمهورية (نائب رئيس الجمهورية بكتابه المرقم 826 في 29/3/2009)أصدرت قرارها المرقم (18/اتحادية /2009) في 8/4/2009 أوضحت فيه جليا بان رئيس الجمهورية الذي يتم انتخابه بعد الدورة الانتخابية الأولى لمجلس النواب لا يملك الصلاحية المنصوص عليها في البند (خامسا) من المادة (138) من الدستور بشان نقض القوانين كون تلك الصلاحية لم ترد بالمادة (73) من الدستور.
فإذا كانت المادة (73/ثالثا) لا تجيز للرئيس نقض القوانين , واذا كانت قرارات المحكمة الاتحادية العليا واضحة بان الرئيس لا يملك تلك الصلاحية وإنها قرارات ملزمة له وفق نص المادة (94) من الدستور , فلماذا الإصرار على مخالفته وانتهاك إحكامه ؟ وأقول (الإصرار) لان الرئيس سبق له ان امتنع عن المصادقة على قانون واردات البلديات الذي اقره مجلس النواب في 22/10/2016 وحينما مضت المدة المقررة للمصادقة وضع القانون في درج النسيان ولم يرسل للنشر ومضت هذه الحالة دون ان يسأله احد عن هذا الانتهاك كما لم يسأله احد عن تكرار مصادقته على قرارات عدة أصدرها مجلس النواب ومنها على سبيل المثال قراراته (76,55,34 لسنة 2015) و (16و19 لسنة 2016) معتمدا بالمصادقة في حينه على حكم المادة (138/خامسا) من الدستور رغم انتهاء مفعولها ولم تعد سندا صحيحا للمصادقة رغم ان مجلس النواب أصلا لا يملك سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون وانحصرت سلطته بتشريع القوانين فحسب.
ان رئيس الجمهورية ملزم بتطبيق أحكام الدستور واذا كان يؤمن بمقوله (من شاور الناس شاركهم في عقولهم) فيقتضى ان لا يشاور كل الناس بل المختصين منهم لا ان يشاور من يوقعه في بئر المخالفات الدستورية الا اذا كان السيد الرئيس يدرك غياب سلطته في نقض القوانين ولكنه أراد بهذا النقض ان يثبت موقفا ما دفعه لاتخاذ مثل هذا الموقف حتى وان وقع في المحظور.
ان رئيس الجمهورية كان يمكن ان يكلل جهوده وجهود مستشاريه عند تدقيق القانون وتبيان عوراته بان يسلك الطريق الذي رسمه له الدستور فيمتنع عن تصديق القانون وتمضي المدة المقررة حتى ينشر في الجريدة الرسمية فيبادر بعد النشر الى الطعن بعدم دستوريته امام المحكمة الاتحادية العليا مستفيدا من نص المادة (93/اولا) من الدستور حتى تزيل المحكمة تلك المخالفات التي اعترته , او انه يتشاور مع مجلس الوزراء كي يقوم الأخير بتقديم مشروع قانون لتعديل قانون الموازنة كون المجلس هو المختص باقتراح مثل هذا المشروع وفقا لصلاحيته المذكورة في المادة (60) من الدستور.
ونحن كمواطنين لن نبارك خطوة السيد الرئيس بنقض القانون حتى وان تعددت فيه المخالفات طالما ان الدستور لم يرسم له مثل هذا الطريق , ولن نغفر لمجلس النواب خطئه الجسيم ان قبل قرار النقض ونظر في القانون مجددا وهو بكل تأكيد لا يملك صلاحية إعادة النظر في القوانين التي يسنها قبل ان تنشر بالجريدة الرسمية , وعلى السيد رئيس مجلس الوزراء ان يوعز الى وزارة العدل لتنشر قانون الموازنة دون الاعتداد بقرار النقض , ومن يؤيد الاعتراض على القانون فليطرق باب المحكمة الاتحادية العليا بعد نشره , وعلى مستشاري السيد الرئيس ان يختموا إعمالهم بالخير كما بدؤا , وخير الاعمال احترام الدستور والالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية العليا.
أقرأ ايضاً
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا
- أهمية لقاء الرئيس بوتين بالرئيس الأسد لسوريا
- ماهي المعايير الرئيسية للجامعات العراقية ؟