عباس الصباغ
راق لي ان استعير فكرة الاحتباس النفسي المدمّر للطبيعة البشرية من فكرة الاحتباس الحراري المدمّر للمناخالذي يعيش فيه الانسان فكلا الاحتباسين ذوي نتائج مشابهة في التدمير، وذلك بسبب الحظر التي تفرضه خلية الازمة من اجل حماية المواطنين من جائحة كورونا وتأمين سلامتهم من هذا الوباء .
صحيا لايخلو هذا الحظر من ايجابيات تعود بالنفع على الصحة العامة اذ يقلّل من نسبة انتشار الجائحة الى اقلّ حد ممكن ولكي لايفلت الوضع الصحي عن السيطرة ليصل الى حافة الانهيار الصحي الشامل ـ لاسمح الله ـ ولايلغي الحظر من نسبة انتشار الجائحة تماما اذ يبقيه في خطه البياني المعقول دون حصول كوارث صحية كما حدث في بعض بلدان العالم الموبوءة ومنها بعض دول جوار العراق.
ولكن لايخلو الحظر سواء الجزئي منه او الكلي من اسقاطات نفسية لها اثارها السلبية الوخيمة على عموم المجتمع ولها تأثيرهاالسيكولوجي السلبي على الفرد العراقي وخاصة الفقراء ، قد يتطور الامر الى حد الاعاقة النفسية المؤقتة ذات الاثر البعيد مستقبلا مثل اصابتهم بالاحتباس النفسي الذي قد يتطوّر الى الشعور بالسوداوية والكآبة المفرطة والعيش في ظل اوهام العدمية الوجوديةوكما يقول سارتر (الاخرون هم الجحيم) فيصير اقرب الناس الى السوداوي المتشائم مجرد اعداء في نظره حتى وان كانوا اقرب الناس اليه ،وقد يتطور كل ذلك الى ما لا يحمد عقباه من افعال غير مسؤولة او منضبطة وربما تخرج عن السيطرة الطبيعية للإنسانكانسان بوصفه كائنا اجتماعيا عاقلا،وقد تتفاقم حالة الاحتباس النفسي لتصل الى حدود غير مقبولة او معقولة، لاسيما اذا تزامنت معها حالات من الانعزال او العزل القسري او الانكفاء الذي قد يخرج الانسان من آدميته ليدخل في دائرة التوحش ،او اذا صاحبتها متاعب معيشية واقتصادية حادة جراء فرض الحظر ووصول المرء الى حافة خط الفقر وهي حالة صار يعاني منها الكثير من العراقيين الذين انقطعت ارزاقهم او تعطلت مصالحهم الاقتصادية وماشابه ذلك،وبشكل عام فان اغلب العراقيين فوجئوا بالآثار الصحية والاقتصادية لهذه الجائحةومن السلبيات التي رافقت هذا الاحتباس النفسي تفشي حالات الخلافات الاسرية والزوجية بشكل خاص منها والى حدود غير مسيطر عليها من العنف الاسري غير المبرر راح ضحيته الاضعفان النساء والاطفال ممن لاحول ولاقوة لهم وخاصة الاطفال القصّر ،وصلت في بعضها الى الطلاق وتشتت الاسرة في اسوأ حالاتها ووصل الامر الى تجاوز الحدود القصوى من الخلافات وتعكّر المزاج الى ابعد من الخلافات نفسها، كما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الخبرية مؤخراولحالات توصفبالمأساوية البالغة تعدّت الى جريمة نكراء مثل احراق ـ وعن عمد ـ لرجل لكل اولاده الصغار وبعمر الزهوربسبب خلاف عائلي لا احد يعرف مستواه ،و في حالة ثانية لاتقلمأساوية عنها تمثلت بإغراقسيدة لطفليها الرضيعين وبدم بارد ودون توضيح الاسباب او المسببات وراء ذلك ،فهذا وغيره يستدعي مشورة جيش من علماء النفس الاجتماعي وخبراء التربية ليدلوا بدلوهم وليعطوا تفسيرا معقولا لما يحصل وانا ارى ان الضغوطات النفسية المتتالية والمتراكمة من استمرار فرض حظر التجوال اضافة الى الفوبيا والهلع من الاصابة بالفايروس التي رافقت انتشار الجائحة اذ لعبت الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة في رفع مناسيب الخوف والهلع في النفوس وكانت تنقل اشارات كشفتها الصدفة البحتة للراي العام مثل هاتين الحادثتين وبالتأكيدماخفي كان اعظم منهما ولم يكن لها حظ الكشف عنها ودراسة اسبابها والكشف عن خلفياتها ومسبباتها ونتائجها والاثار الوخيمة التي تركتها تستدعي دراسة علماء النفس ليضعوا خارطة طريق لفهم ابعاد تأثير الاحتباس النفسي السلبي على الاسرة والمجتمع وفي حالة استمرار الحاجة الى المزيد من فرض اجراء حظر التجوال بكافة اشكاله وممارساته الوقائية كما يجب تقنين وسيلة الحظر اذا ما فرضت بكل اشكالها لمعرفة حجم تأثيراتها النفسية / الاقتصادية / الاجتماعية على الفرد كمواطن وعلى الاسرة التي تمثل اللبنة الاساس للمجتمع واخيرا على المجتمع ككل بكونه الحاضنة الاهلية للدولة.
أقرأ ايضاً
- الصياح.. بين الرأي الشرعي ودائرة التحليل النفسي
- كورونا الشخصي وكورونا الشعبوي
- القلق النفسي الجمعي في متلازمة كورونا